بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي
رمضان التسامح.. وغول «الإرهاب»
عبدالله بن بجاد العتيبي
رمضان الكريم شهر خيرٍ وبركةٍ، تسمو فيه الأرواح بالإيمان وتعمر القلوب بالتقوى، وهو شهرٌ يختلف عن بقية شهور السنة بالصيام، ولعقودٍ من الزمن أصبح شهر الدراما كذلك حيث يتروّح الناس فيه بمتابعة الأعمال الدرامية المختلفة في موسمٍ دراميٍ تشتد فيه المنافسة بين المنتجين والقنوات على انتزاع حصتهم من المتابعين. لعقودٍ كان شهر الدراما ولسنواتٍ طويلة أصبح شهراً ينشط فيه الإرهاب جماعاتٍ وتنظيماتٍ، تجنيداً وحشداً وتهييجاً وجمعاً للأموال ثم تفجيراً وتدميراً، التجنيد والحشد والتهييج وجمع الأموال منهجٌ لجماعات الإسلام السياسي مثل «جماعة الإخوان» أو «السرورية» والتفجير والتدمير منهجٌ لتنظيمات الإرهاب، والاثنان واحدٌ في الهدف والغاية وإن اختلفت بعض الطرائق والأعمال. في رمضان هذا العام ستستمر الجماعات في أعمالها في الدول التي لم تصنفها إرهابية بعد وستجد أساليب جديدة للحضور والتعبير عن نفسها في الدول التي صنفتها إرهابيةً بقوة القانون، وسيكون من ذلك المنافسة على الحضور الإعلامي عبر برامج تلفزيونية أو «بودكاستات» أوحساباتٍ في مواقع التواصل الاجتماعي، ولئن كان هذا الحضور في الماضي محصوراً في البرامج الدينية فإنه مع قدرة هذه الجماعات على التأقلم والتلوّن والتقلّب سيصبح حضوراً في برامج ثقافية وحوارية وفنية وبرامج المسابقات وغيرها، وسيتم تمرير العديد من الرسائل الدينية وترميز العديد من الأسماء الجديدة التي لن يتم استثمارها بشكل مستعجلٍ بل مجرد تسجيل الحضور والشهرة في هذه المرحلة ومن ثم الانتظار لسنواتٍ لجني الثمار المباشرة حين تصبح الفرصة مواتيةً. خطرٌ حقيقيٌ آخر يكمن في أن تنظيمات الإرهاب الصريحة مثل «تنظيم القاعدة» أو «تنظيم داعش» ما زالت حاضرة في أكثر من مكانٍ في العالم العربي والعالم بأسره وما زالت خلاياها وخطاباتها تنشر وتوزّع وتنتشر، ولها حضورٌ قويٌ في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي في المواسم الدينية وبخاصة في رمضان قد أتقنت ولسنواتٍ طويلةٍ إقناع أتباعها وعناصرها بتنفيذ عمليات إرهابية شنيعةٍ وبشعةٍ تستهدف الأبرياء والمدنيين والعسكريين سواء بسواء وهو الأمر الذي لن تتوقف عن ممارسته والاستمرار عليه، والعائق الأكبر أمامها هو النجاحات الأمنية المذهلة في العمليات الاستباقية التي ترصد مثل هذه العناصر والخلايا قبل أن تنفذ عملياتها. يمكن رصد ارتفاع عمليات الإرهاب بشقيه السُني والشيعي في العالمين العربي والإسلامي في هذا الشهر الكريم في السنوات الماضية، وهو وإن لم يكن نجاحاً في تنفيذ العمليات الإرهابية، فهو نجاح في تراكم التخطيط وقبل ذلك في الحشد والتهييج وجمع الأتباع والأموال، وفي هذا الشهر الفضيل ستحتدّ بعض المواقف وستخرج بياناتٌ شديدةٌ تجاه الأوضاع المضطربة في المنطقة سواء في غزة أم اليمن أم العراق أم غيرها وستصدر فتاوى متحمسة وسيخرج بعض المثقفين من «مطايا الإخوان» ليصفوا الأحداث ويشرحوا المواقف بما يوصل معلومةً واحدةً للعامة هي أن الدول العربية فاشلةٌ وأنظمتها السياسية عاجزةٌ وهو ما يصنع البيئة المناسبة للتجنيد والحشد. صناعة السخط صناعة احترفتها جماعات الإسلام السياسي لعقودٍ من الزمن، ولسنواتٍ ظلت هذه الصناعة حكراً على عناصر الجماعة، ولكنها بعد التضييق عليها بدأت في دعم كتاب ومثقفين يبدون مستقلين بشرط أن يستمروا في صناعة السخط بدلاً عن الجماعة لإبقاء الشعوب غاضبة وحانقة على نفسها ومجتمعها وحكوماتها ودولها. أخيراً، فالدين ملك للجميع، والمسلمون يحبون دينهم ويعززون إيمانهم في كل حينٍ، وليس أحدٌ من هؤلاء مقصوداً بهذا السياق بأي حالٍ من الأحوال، بل المقصودون هم عناصر هذه الجماعات المؤدلجون الذين يمكن كشفهم ومعرفة تاريخهم وفحص طروحاتهم. *كاتب سعودي