بقلم:مشاري الذايدي
في برنامج اسمه «جذور» على قناة «الإخبارية السورية» الرسمية، ظهر المثقف المصري يوسف زيدان وأحدث ظهوره جلَبةً في الساحة السورية.
سبب ذلك أن زيدان اتُّهم من الجهات السورية الرسمية بأنه يروّج للتطبيع مع «الكيان الصهيوني»، حسب اللغة الرسمية.
الأمر كما وُصف في التقارير الإعلامية أثار حملة استنكار في أوساط الإعلام الرسمي وصلت إلى طاولة رئاسة مجلس الوزراء السوري في أول اجتماع له بعد عطلة عيد الأضحى.
قناة «الإخبارية السورية» أصدرت بياناً اعتذرت فيه عن استضافة زيدان، ثم قامت القناة بسلوك جديد في مسطرة وثقافة الرقابة الإعلامية وهو: «حذف المقابلة من معرّفاتها على الإنترنت».
إلا أن مجلس الوزراء كلّف وزير الإعلام «تشكيل لجنة فنية متخصصة مهمتها التدقيق في المعلومات المثارة حول الأمر، واتخاذ ما يلزم في حال ثبوت وجود تقصير أو خلل»، على حد تعبير البيان. الذي أضاف أيضاً: «إن مجلس الوزراء تناول في جلسته ما أُثير حول (استضافة إحدى القنوات الإعلامية الوطنية شخصية مشبوهة بفكرها وآرائها حيال العلاقات مع العدو الإسرائيلي)».
لست معنيّاً بحكاية التطبيع مع الكيان الصهيوني وقواميس الخطاب النضالي المقاوم الثوري العربي والإسلامي، و«ع القدس رايحين شهداء بالملايين»... ذاك حديث لا ثمرة منه اليوم، وهو بمثابة تعويذة خالدة تعلّقها في جيدها ثقافة خشبية لا تغني ولا تسمن من جوع، لم تنكأ في عدوّ ولم تسترد أرضاً.
حديثي عن سلوك القناة «السورية الإخبارية» بحذف المقابلة من حساباتها على المنصات في الإنترنت، يعني «إعدام» المادّة الإعلامية إلى الأبد، إن لم يكن الضيف قد سجّل لنفسه شخصياً المقابلة.
بصراحة هذا سلوك فيه اغتيال للذاكرة والمحتوى الإعلامي، ففي القديم لم تكن ثمة قدرة على شطب المقال أو المادة الصحافية إذا نُشرت على صفحات الجرائد، نعم يمكن سحب الطبعة من السوق، لكن إذا طُبعت الصحيفة، فقد قُضي الأمر وانتهت الحكاية.
اليوم، ومع تحول المادة الإعلامية، من شكل صلب إلى شكل سائل مرن رقمي، صار من السهل إعادة تشكيل الأرشيف الإعلامي الصحافي حسبما يريد الرقيب، ولك أن تتخيّل لو طالت يد الرقيب الأرشيف الصحافي القديم غير المرضيّ عنه لسبب أو لآخر... كم سيبقى للذاكرة العامة منه؟!
لست أتحدث عن مواد في منصات مثل «تيك توك» أو «تويتر»، مواد وفيديوهات ومنشورات سخيفة أو مثيرة للفتن والعبث، بل عن مقالات أو مقابلات أو تحقيقات تكشف عن جزء من المشهد الثقافي المتنوع بطبيعته... تلك هي مصيبة اغتيال الذاكرة والعبث بالعقل العام.