بقلم: طارق الشناوي
الجمهور يتابع فى العديد من البرامج تفاصيل حياة الفنانين التى تنشرها «الميديا»، يسعى بعضهم لإمداد الصحافة والفضائيات ببعض منها، ظنًا منه أن هذا يؤدى إلى زيادة مساحة الاهتمام والشغف، تغير الزمن الذى كان يحرص فيه الفنان على أن يظل بعيدًا عن الجمهور، الناس لا تتعامل معه كحالة إنسانية بشرية يحب ويكره وينجب ويتزوج ويطلق، ولكنهم يفضلونه كائنًا مثاليًا، تلك كانت هى صورة الماضى.
عدد من الفنانين وكبار الإعلاميين بين الحين والآخر باتت خطتهم لكسب ود الجماهير تتلخص فى العمل على شيوع أخبار تؤكد الجانب الخيرى المعطاء، خاصة أن تلك الانطباعات المبدئية تلعب دورًا إيجابيًا عند دائرة واسعة من الجماهير، الذين لديهم (ترمومتر) خاص يحددون بعده درجة الحب.
لو عدنا للزمن الماضى الذى نطلق عليه دائما تعبيرًا مبالغًا فيه وغير حقيقى (زمن الفن الجميل)، فى تلك الأيام الخوالى، كان هناك غطاءً لا يمكن اختراقه يغلف حياة المشاهير، ويحرص الفنان على ترسيخه، روت لى الإذاعية الراحلة آمال فهمى حكاية لها مع أم كلثوم مر عليها وقتها قرابة 70 عامًا ولم تبرح ذاكرتها.
كان أغلب المذيعين الذين ينقلون للجمهور حفلات (الست) على الهواء عبر أثير الإذاعة، يقدمون كلمات الأغنية، ويتحدثون قليلًا عن المؤلف والملحن، ثم تأتى لهم الفرصة بين الثلاث وصلات، قبل أن تصبح نهاية الستينيات وصلتين فقط، لوصف فستان أم كلثوم، ولكن لا أحد منهم يتجاوز أكثر من ذلك، إلا أن آمال فهمى غلبتها الحاسة الإعلامية، وقررت أن تبحث عن الجديد الذى من الممكن أن تقوله للمستمعين، فتجاوزت الخط المسموح، والحدود الآمنة، وعلى طريقة أرشميدس هتفت «وجدتها وجدتها»، وكانت ضالتها المنشودة أنها استغلت علاقتها بسعدية وصيفة أم كلثوم، وعرفت منها ماذا أكلت سيدة الغناء العربى، قبل الحفل فى وجبة الغذاء؟، وقبل أن تفاجئ آمال الجمهور بهذا السبق الإذاعى، قررت أن تختبر المفاجأة على أم كلثوم أولا فى الاستراحة، وقبل رفع الستار بلحظات قالت لها: (أنا عرفت إنتى أكلتى إيه قبل الحفل)، ردت عليها بكل ثقة: (لا أحد يعرف يا شاطرة ماذا أكلت أم كلثوم)، فاجأتها الشاطرة: (ربع دجاجة وكوب عصير برتقال ورغيف خبز أسمر وطبق أرز وآخر سلطة)، وهاجت وماجت أم كلثوم بعد أن افتضح سرها، فهى تأكل وتشرب مثلنا، ولم تستطع آمال أمام فيضان الغضب من إذاعة سبقها على الناس، واكتفت بأن وصفت مثل الآخرين للمستمعين فقط لون الفستان، وفى الاستراحة الثانية استدعتها أم كلثوم إلى غرفتها فى الكواليس، وقالت لها إنها كانت تعتقد وهى صغيرة أن كبار الفنانين أقرب إلى الأساطير، عندما يعلم الناس ماذا أكلت، وكأنها تنقل أم كلثوم من السماء السابعة فى لحظات إلى سابع أرض.
تابع الآن كثرة الظهور البرامجى والجرأة فى الإعلان عن تفاصيل حياة النجوم المادية والعاطفية والشخصية، ربما تحقق لهم تلك البرامج أموالًا تدفعها الفضائيات مقابل الإعلان عن الأسرار، إلا أنها على الجانب الآخر تخصم الكثير من الألق الشخصى للفنان.
ليس كل ما يعرف يقال، وليس أيضا كل ما هو حقيقى يصلح بالضرورة لكى يعرفه الناس، ليس المطلوب قطعا صورة ذهنية ناصعة البياض، ولكن أيضا وبنفس الدرجة لماذا تصبح الصورة الذهنية حالكة السواد؟!!.
قبل أيام وجدت نفسى أفكر، ما الذى من الممكن أنه حدث مع سعدية وصيفة أم كلثوم؟، مؤكد تلقت عقابًا قاسيًا، غالبًا تهديدها بالفصل، إلا أنها ظلت حتى رحيل كلثوم هى كاتمة أسرار بيتها، أتصور أن أم كلثوم كانت تعلم أن سعدية لديها الكثير من الحكايات أشد خطورة من ماذا أكلت أم كلثوم؟.
ولو تخلصت منها، فلا تضمن ألا تبوح بأسرارها الشخصية، فقررت أن تبقى عليها، حتى تظل أسرارها فى الحفظ والصون، وهو ما حدث بالفعل بعد رحيل أم كلثوم، فلم تتحدث أبدًا (وصيفة الست)!!.