بقلم: طارق الشناوي
السؤال عن الحقيقة سيظل دائما يتجدد من جيل إلى جيل، لا يوجد في التاريخ ما يمكن الاطمئنان الكامل إليه باعتباره الحقيقة المطلقة والقول الفصل، بين الحين والآخر نكتشف أن هناك قولا آخر، ربما يدفعنا لقراءة مغايرة، نعيد بعدها ترتيب الوقائع، ما يقوله الفنان أو الشخصية العامة عن نفسه وعن الأحداث التي عاشها، هل هي بالضبط ما حدث؟ أم أنها بعبارة أكثر دقة الحقيقة بزاوية رؤيته؟، دائما هناك حقائق مسكوت عنها، والكثير من التفاصيل، ربما نكتشفها بعد مرور السنوات، وفى لحظات عديدة في التوقيت الخاطئ، بعد أن يغيب شهود الإثبات. عندما قامت ثورة 23 يوليو عام 52، تعددت مواقف الفنانين المؤيدة للثورة وتبرعوا بأموالهم لدعمها، وبعد ذلك انطلق ما عرف وقتها بـ(قطار الرحمة)، حيث شارك العديد من النجوم أمثال فاتن حمامة وماجدة الصباحى ومحمد فوزى ومديحة يسرى وشادية وعماد حمدى وهند رستم وكمال الشناوى وغيرهم، في هذا القطار، الذي يجوب المحافظات المصرية من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، لتقديم المساعدة لكل من يحتاجها.
كان من المعروف تاريخيا أن اللواء محمد نجيب أول رئيس مصرى هو صاحب الفكرة، لكننا اكتشفنا أثناء الاحتفال بذكرى الكاتب الصحفى الكبير الراحل محمد التابعى، أنه صاحب البذرة الأولى، حيث أعيد نشر عمود صحفى قديم له، أوضح فيه ذلك، رغم أن الصحافة تُجمع ولا تزال، إنها فكرة محمد نجيب.
أتذكر بعد رحيل أديبنا الكبير نجيب محفوظ عام 2006 اكتشفنا أن الفيلم الشهير (شباب امرأة)، الذي شارك في مهرجان (كان) 1955 وأخرجه صلاح أبوسيف، ولعبت بطولته تحية كاريوكا وشكرى سرحان، كلنا كنا نعتبر أن نجيب محفوظ مشاركا في كتابة السيناريو، لأنه في كل أحاديثه كان يذكر هذا الفيلم، ضمن أعماله التي يعتز بها، ولم نلحظ أن (التترات) خالية من اسمه، ولم نحل سر هذا اللغز إلا قبل أربعة أعوام، في مذكرات حققها الكاتب الصحفى عادل حمودة لصلاح أبوسيف، كشف أن هناك خدعة قانونية تمت من قبل كاتب قصة (شباب امرأة) أمين يوسف غراب، فأصبحت القصة والسيناريو منسوبان له، رغم أنه- أقصد صلاح- مر بتجربة شخصية مماثلة لأحداث شباب امرأة، في باريس، عندما كان يدرس فن السينما هناك، رواها لكاتب القصة فنسج منها حكاية الفيلم.
المخرج الكبير كمال الشيخ قال لى في تسجيل تليفزيونى أجريته معه عام 2003 قبل رحيله ببضعة أشهر، محفوظ في أرشيف قناة (الأوربت) أن الفيلم الشهير (الصعود للهاوية) الذي لعب بطولته محمود يسن ومديحة كامل منسوب في (التترات) إلى الكاتب صالح مرسى، إلا أن رأفت الميهى الذي ارتبط في بداية مشواره بكتابة أشهر الأفلام لكمال الشيخ مثل (غروب وشروق) هو الذي أعاد كتابة السيناريو والحور الصعود للهاوية مجددا، كذلك روى الكاتب بشير الديك ـ أنه شارك في كتابة فيلم (الهروب) إخراج عاطف الطيب وبطولة أحمد زكى، الفيلم منسوب لمصطفى محرم، الديك ذكر ذلك في حياة مصطفى محرم، قائلا (كنت أبكى وأنا أشاهد الفيلم على قناة فضائية، وأرى أبنى منسوبا في شهادة الميلاد لأب آخر) محرم بدوره شكك تماما في تلك الرواية، وغياب مخرج الفيلم عاطف الطيب والبطل أحمد زكى عن الحياة جعل الإجابة أكثر صعوبة، هل شارك الديك في السيناريو حبا فقط في عاطف الطيب توأمه الروحى، كما يؤكد دائما أم أن هناك أسبابا أخرى؟.
تظل هناك العديد من الوقائع الشائكة مثل أغنية أم كلثوم (يا ليلة العيد) التي يستقبل بها العرب أعيادهم الدينية، كتبها أحمد رامى ولحنها رياض السنباطى، الكثير من المراجع الموسيقية تشير إلى أن بيرم التونسى كشاعر والشيخ زكريا أحمد كملحن لهما نصيب وافر في تلك الأغنية، ما هو بالضبط نصيب تلك المعلومة من الصدق؟ لا أحد يملك الجزم، وستظل لدينا الكثير من تلك الأسئلة، نفتح بعدها القوس، ثم نكتشف أننا عاجزون عن إكمال القوس!!.