بقلم: طارق الشناوي
احتل الحديث عن مقبرة تضم رفات الخالدين صفحات الجرائد والمواقع و(السوشيال ميديا).. وتلك ظاهرة إيجابية. تلقيت رسالة بالإيميل من أبناء شاعرنا الكبير أحمد رامى؛ لأن اسمه لم يوضع رسميًا بين الخالدين.. قطعًا (شاعر الشباب) هو أول من أسس قواعد كتابة الأغنية بالفصحى والعامية، شاعرنا الكبير هو (أخلد الخالدين).
استوقفنى أن هناك من يعترض على تعبير (الخالدين)، معللا ذلك أن الخلود لله وحده. لو فتحت القوس للمرجعية الدينية فيما نكتبه أو نقرؤه أو نشاهده فلن نستطيع إغلاق القوس.. وكحد أدنى، سوف نمنع تداول 90 فى المائة من أغانينا التى تتغزل فى الحبيب وتصفه مره بالملاك، وأخرى تعلن أنها تعبده، حتى أغانينا الوطنية لن تسلم من المحاكمة، يقول صلاح جاهين فى (بالأحضان) بصوت عبدالحليم (فى صلاة العيد «عيد الثورة» أناجيك يارب)، هل نصلى فى عيد 23 يوليو مثل عيدى (الفطر والأضحى)؟.
قرأت بالأمس مقالًا للكاتب الكبير الدكتور مصطفى الفقى على صفحات جريدة (الأهرام)، وهو يقترح حتى يهدئ من روع الغاضبين، أن نطلق عليها مقبرة (العظماء) بدلا من (الخالدين)، رغم أن العظمة أيضا وبنفس المقياس مرفوضة لأنها (لله وحده).
محاولة الوصول لمنطقة متوسطة مع هؤلاء فى كل تفاصيل الحياة ستحيلنا إلى أعداء للحياة.
فى تعاملنا اليومى، تعودنا المبالغة فى التعبير، مثلًا نرحب بالزائر العزيز (إحنا زرنا النبى)، لا يجوز بعدها أن يسأل أحدهم الأزهر الشريف عن شرعية هذا التعبير.. لديكم أسماء (عبدالنبى) و(عبدالرسول)، لو سألنا رجل الدين ستأتى إجابته أنها من الكبائر المحرمة شرعا.
لا يمكن أن نتخيل الدولة وهى تقرر أن تمنع الأب من أن يطلق على ابنه (عبدالنبى)، أو تحذف (عبدالرسول) من الرقم القومى، وتطالب المواطن بالبحث عن لقب شرعى!.
بالمناسبة فى (ماسبيرو)، تابعنا قبل عقدين من الزمان المسؤول الكبير، الذى قام بحذف مقاطع من أغنيات يراها تخرج عن صحيح الدين، مثلما حدث مع أغنية عبدالحليم (أول مرة) تأليف إسماعيل الحبروك (لسه شفايفى شايلة سلامك/ شايلة أمارة حبك ليه)، أو سعاد حسنى فى (بمبي) يقول صلاح جاهين (بوسة ونغمض ويالا/ نلقى حتى الضلمة بمبى).. الغدة الرقابية توجست فى لحظة من تلك الكلمات، واستمر الحذف عدة سنوات، حتى ظهر صوت عاقل وأعاد تلك المقاطع وغيرها الكثير.
إنهم يرفضون واحدا من أهم المقاطع الشعرية لأبى القاسم الشابى الشاعر التونسى الكبير الذى كتب عام 1933 قبل رحيله بـأشهر قلائل: (إذا الشعب يوما أراد الحياة / فلابد أن يستجيب القدر).. أصبح فى الخمسينيات السلام والنشيد الوطنى لتونس الخضراء، إلا أن البعض وحتى الآن يحاكمونه دينيًا ويرفضون من تلك الزاوية الضيقة تعبير (يستجيب القدر).
الإطار الدلالى للكلمات فى حياتنا هو بالضبط الحياة، لو فتحنا الباب لمحاكمة الكلمات تحت مقصلة المرجعية الدينية ستختفى تماما الحياة (الجنة فى بُعدك نار/ والنار فى قربك جنة) ماذا تقولون عنها بـ(ميكروسكوب) له عدسة دينية؟!.
تعبير (الخالدين) و(الخلود) سيظل واحدة من الكلمات المتداولة فى الحياة.. ولا تشغلوا بالكم كثيرا بأصحاب الأصوات (الحنجورية) الذين يضعون البشر فى مواجهة مستحيلة مع كتاب الله.
لا تبحثوا عن الحلول الوسط والكلمات البديلة مثل (العظماء).. التجربة أثبتت فى هذه الحالات أن شر الأمور الوسط!.