بقلم: طارق الشناوي
كيف نحسبها؟ كثير من التفاصيل التي تجرى في حياتنا نحيلها إلى (ترمومتر) للقياس، محتفظين به في ضمائرنا، وبعده نصدر قرار البراءة أم الإدانة، وكأننا نطبق القاعدة الشرعية (الحلال بيّن والحرام بيّن)، فهل في كل مرة يتضح بالفعل، وبلا أي لبس، الحلال من الحرام.
سوف أروى لكم حكايتين عن الملحن بليغ حمدى، الذي لم يكن بالمناسبة يطيق لقب موسيقار.
في عام 1957، كان بليغ يجرى بروفات (تخونوه) في معهد الموسيقى العربية تأليف إسماعيل الحبروك لتغنيها ليلى مراد.
سجلت ليلى مقطعا منها لحساب إحدى الشركات، وقتها كان عبدالحليم حافظ قد أصبح النجم الأول، الذي تتابعه وتنتظره الملايين، تضاءل شىء من وهج ليلى مراد، بعد أن تعرضت لشائعات مغرضة من طليقها أنور وجدى، كانت ليلى تكبر عبدالحليم بنحو عشر سنوات، فهى دون الأربعين، إلا أنها باتت تشعر وقتها بتراجع الإقبال السينمائى عليها، ليلى ليست مطربة حفل، وأغلب أغانيها الناجحة قدمتها في الأفلام، ورغم ذلك ظلت ليلى مراد هي ليلى مراد، لم تهزمها الأيام.
عبدالحليم وصل إليه عن طريق شقيقه الكبير المطرب إسماعيل شبانة أصداء بروفات لحن (تخونوه)، استدعى بليغ، إلى مكتبه واستمع للحن وطلب منه أن يعتذر إلى ليلى مراد ويمنحه اللحن، لأن له موقفا دراميا في فيلمه الجديد (الوسادة الخالية).
ماذا تفعل لو كنت بليغ؟، الإجابة النظرية سأظل على كلمتى مع ليلى مراد، تمام من حقك إلا أن بليغ كان عمليا، قرر أن يعصر على نفسه ليمونة ويذهب إلى ليلى مراد يستسمحها بالموافقة بالتنازل.
ضربة قطعا قاسية، خاصة أن ليلى مراد كانت تعتقد أنها عندما تغنى لبليغ أو غيره، فإن هذا شرف له، مجرد أن يكتب اسمه على خريطتها، في لحظات وافقت ليلى مراد بل كتبت خطابا رقيقا لعبدالحليم تخبره أنها سعيدة بنجاحه، ولو كانت تلك الأغنية ستساهم في تقدمه الفنى، فهى ستفعل ولم تطالب بأى تعويض، عبدالحليم قطعا هو الذي دبر، لكن بليغ لم يقاوم الإغراء.
لم يشعر بليغ بأى قدر من الذنب، عبدالحليم بالنسبة له محطة مهمة في حياته العملية، وليلى مراد صوت عظيم وتاريخ مشرف، إلا أن (الجغرافيا) وقتها كانت لصالح عبدالحليم، وهكذا ضحى بالتاريخ.
نقفز معكم نحو 6 سنوات، 1963، إلى أغنية (على حسب وداد جلبى) تأليف صلاح أبوسالم وتلحين بليغ، أجرت المطربة الشعبية إلهام بديع البروفات النهائية وكانت تستعد لتسجيلها بعد أن حققت أولى أغانيها (يا حضرة العمدة)، نجاحا ساحقا، وقررت استكمالها بأغنية شعبية أخرى، إلا أن عبدالحليم كان قد استمع إليها على العود مع بليغ، في لحظة تغيير بوصلته الإبداعية إلى اللون الشعبى، ولم يعتذر بليغ لإلهام بديع، ولم يرد على كل محاولاتها لاستعادة الأغنية.
وروى لى المطرب محمد رشدى أن إلهام ذهبت إليه في معهد الموسيقى، تشكو ما فعله بها عبدالحليم، وطلبت منه التدخل لإقناع بليغ بالتراجع، رشدى كان يعلم أن عبدالحليم لن يفرط أبدا في نجاحه، وقال لها ساخرا (لديك حل واحد، انتحرى واكتبى خطابا تذكرى فيه أن عبدالحليم سبب انتحارك .
ولم تفعلها إلهام بديع، فقط انزوت ولم يعرف لها سوى أغنية واحدة يا حضرة العمدة/ ابنك حميدة/ حدفنى باستفاندية)، وبعد الاستفاندية جاءتها طعنة.
هل ترى بليغ مخطئا، أم أنه اختار عبدالحليم لثقته أنه الرهان القادم والأكبر والأهم في مسيرته الفنية؟.