بقلم: طارق الشناوي
من حسن حظي أنني التقيت الفنانة الرائعة وردة أكثر من مرة. واحد من اللقاءات الذي رشق في الذاكرة ذلك الذي كان توقيته منتصف التسعينات، في حفل زفاف الفنانة غادة نافع ابنة الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحي، حيث جاء مقعدي مصادفة بجوار وردة.
إنها أكثر فنانة التقيتها، تقطع المسافات في لحظات بينك وبينها، كأنك تعرفها قبل 20 عاماً، ولا يمكن أن تشعرك بأن هناك سؤالاً من المستحيل أن تقترب منه تصريحاً وليس تلميحاً. وردة لا تضع ورقاً من «السوليفان» على كلماتها، وتحركت حاستي الصحافية، فهي لا تتوفر بكثرة على صفحات الجرائد، ولهذا يجب ألا تفوتني الفرصة.
سألتها دون «تزويق» أو تنميق عن تلك الشائعات التي لاحقتها في بداية وجودها بمصر - مطلع الستينات - وربطتها بالرجل الثاني في الحكم المشير عبد الحكيم عامر. قالت لي لم أعرف المشير إلا فقط عن طريق صوره في الجرائد ونشرات الأخبار، وضحكت قائلة لم أتعود أن أبدد طاقتي في تكذيب أشياء تكذب نفسها بنفسها، وتطرقنا بعدها في الحوار لحكايات أخرى لا مجال الآن لذكرها. مع الأسف كنا، ولا نزال، نبحث عن سرقة اللقطة، و«التريند»، قبل أن تصبح هذه المفردة واحدة من أكثر الكلمات ترديداً في حياتنا، صرنا نادراً ما نقدم الحقائق، بل نبحث دائماً عن «التوابل» الحراقة من أجل ذيوع وانتشار الخبر.
وردة ستشرق مجدداً، مساء الخميس المقبل، في مدينة جدة، حيث يقام حفل دعت إليه «هيئة الترفيه» تشرف على تنفيذه «بنش مارك»، يشارك فيه كثير من المطربين والمطربات، نستعيد من خلالهم أغنيات وردة، رغم أن زمن وردة لم يغب مطلقاً، فلا تزال أغانيها - بناءً على طلب الجماهير - تبث بكثافة عبر كل الفضائيات. ستكتشف أيضاً أنها أكثر مطربة في جيلها حرصت على أن تقدم عدداً من أغانيها «دويتو» مع الجيل الجديد، وكثيراً ما خرجت على النص، وهي في الاستوديو، وأثنت عليهم في أثناء الغناء. أعدت الجهة المنظمة للحفل فيلماً تسجيلياً عن الفنانة الكبيرة، عدَّته فرصة لتصحيح كثير من الأكاذيب المنتشرة، منها مثلاً أنها بعد طلاقها من بليغ نهاية السبعينات عندما سألوها عنه قالت: «إنها لا تعرف إنساناً بهذا الاسم»، عندما حدثت تجاوزات إعلامية بعد مباراة مصر والجزائر التي أقيمت في أم درمان عام 2009 وبدأنا نتابع تراشقاً إعلامياً هنا وهناك، فجأة قرَّرت الإذاعة المصرية الدخول على الخط، ومنعوا بث أغاني وردة، كما أن نقابة الموسيقيين كانت بصدد وضع خطة شريرة لإلغاء عضويتها، بحجة أنها جزائرية، وعلى صفحات جريدة «الدستور» المصرية كتبت مقالاً عنوانه «وردة المصرية»، قلت إنهم بمنع أغاني وردة يعاقبون أولاً المصريين، فأغاني وردة من تأليف وتلحين عشرات من المبدعين المصريين مثل عبد الوهاب ورياض السنباطي ومحمد فوزي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وصلاح الشرنوبي... وغيرهم.
وتواصلت معي وردة، وكانت جارتي في نفس الحي، تفصل بيننا 10 دقائق سيراً على الأقدام، والتقيتها أكثر من مرة في بيتها المطل على النيل، واكتشفت أنها أساساً لا تشاهد مباريات كرة القدم، وبالتأكيد سقط هذا القرار الساذج. عند رحيلها قبل 12 عاماً، كتبوا أنَّها أوصت بدفن جثمانها في الجزائر، والمعني المضمر أنَّها لم تصف مشاعرها الغاضبة تجاه مصر، وهو ما نفاه تماماً ابنها رياض، قائلاً: «تلك كانت رغبة الأسرة، حتى تصبح بجوارنا في الجزائر».
وردة من الأصوات القليلة في عالمنا العربي التي جمعت بين الحُسنيين الجمال والكمال، وأضيف إليهما أيضاً الرائحة العطرة.