حزين جدًا وأنا أتابع إعلام العديد من الدول ترفرف على شاطئ (الريفييرا)، بينما نحن استسلمنا للغياب، لا توجد إرادة حقيقية لحل الأزمة، مع الأسف ليس هناك من يشعر أساسًا بأن هناك أزمة، صدقونى المشكلة ليست كما تبدو لكم ظاهريًا مادية بالدرجة الأولى، الحلول ممكنة وسهلة ولا تحمل الدولة أعباء، فقط المطلوب أن نشعر بأننا بصدد أزمة، بداية علاج أى مرض نستشعرها بالإحساس أولا بالألم، ما نعانيه حقيقة ألا أحد يتألم، حتى يتكلم.
لا أعتقد أن هناك من استشعر بأهمية الحضور داخل سوق مهرجان (كان)، ولهذا نواصل الغياب، تعودنا فى الماضى الذى كنت شاهدًا على جانب منه منذ مطلع التسعينيات، ومثل عشرات من دول العالم، تابعت الجناح المصرى عندما كان شعلة من النشاط، وكثيرًا ما أقيمت العديد من الندوات داخل هذا الجناح، وتتناقلها صحف العالم، ناهيك عن الوجه السياحى والحضارى الذى يمثله هذا التجمع المصرى.
كنا نحرص على عقد لقاء تشير إليه الصحافة العالمية، ندشن من خلاله انطلاق (مهرجان القاهرة السينمائى الدولى)، وبعد ذلك يواصل أيضًا عدد من المهرجانات المصرية، مثل (الإسكندرية) و(الأقصر)، عقد مؤتمر مماثل، عدد من مسؤولى المهرجانات، رغم ضآلة الإمكانيات بالمقارنة بغلاء الأسعار المفرط، يحضرون متحملين التبعات المادية والإعلان عن فعاليات المهرجان من داخل الجناح وتحت العلم المصرى. هذا العام مثلًا، وحتى كتابة هذه السطور، وأتمنى ألا يستمر بعد نشرها، لم يعقد حسين فهمى، رئيس مهرجان القاهرة، المؤتمر الصحفى الذى تعودنا عليه آخر عامين، داخل مقر (مركز السينما العربية) الذى يرأسه علاء كركوتى، الذى كان يرحب بالاستضافة، لأننا ببساطة ليس لدينا مكان نقف ونتحدث تحت رايته، كما أنه يحصل على مقابل مادى محدود مقابل فقط تنظيم اللقاء، الذى كنا نرى فيه العديد من الإعلاميين ومراسلى الفضائيات فى العالم حريصين على اللقاء ونقله عبر (الميديا) لتصبح تلك هى الخطوة الأولى، التى من خلالها نقول للعالم إن مهرجان القاهرة لا يزال يشغل مساحته عبر الخريطة.
معلوماتى أن (مركز السينما) لم يستطع تلبية طلب المهرجان هذا العام لضيق الوقت، فهو لم يتلق الطلب إلا قبل بداية مهرجان (كان) بـ24 ساعة، بعد أن أصبح جدول الأعمال متخمًا.
ولا أدرى بالضبط هل فكر حسين فهمى فى المكان البديل، أم لن يعقد المؤتمر هذا العام؟، رغم أهمية استغلال الحدث العالمى فى الإعلان، بعد أن غاب (مهرجان القاهرة) بسبب أحداث غزة العام الماضى، العديد من المجلات والفضائيات العالمية التى تغطى المهرجان إعلاميًا، تتم دعوتها، وتحرص على تداول الخبر، مما يلعب دورا إيجابيا قطعًا لصالح مهرجان القاهرة، الأمر يبدو لى أنه بات مستحيلًا هذه المرة.
سنكتشف دائما أن أصل الحكاية ليس الإمكانيات المادية، التى نعلق عليها حاليًا كل مشاكلنا، لا توجد إرادة للبحث عن حل، والحكاية أكبر من أن يتحملها مهرجان القاهرة السينمائى بمفرده، يجب إسناد هذا الملف إلى جهة أخرى بعيدًا عن إدارة المهرجان، لتضع الحلول، الجناح يحمل أساسًا اسم مصر وليس (مهرجان القاهرة)، المؤكد أن العديد من الوزارات والهيئات والمهرجانات وشركات الإنتاج السينمائية، وأيضا السياحية، يعنيها التسويق والإعلان عن نشاطها من خلال (كان)، وبالتالى يتم التواصل معها لتقديم دعم مادى للمهرجان.
لديكم ملف إقامة الجناح من الممكن أن تساهم فيه العديد من الجهات الرسمية وغيرها، وهذا بالفعل حدث قبل نحو عشر سنوات كانت وزارات السياحة والآثار والطيران المدنى تتحمل النفقات، لأنه يحقق رواجًا لها كما أن شركات إنتاج سينمائية كبرى، مثل شركة إسعاد يونس، تدعم الجناح، لأنها سوف تعتبره فرصة لتسويق أفلامها عربيا ودوليا، لدينا أيضا الأخوان ساويرس (نجيب وسميح) من الممكن أن يساهما ماديًا، لأنه سيحقق لمهرجان (الجونة) حضورا تحت راية العلم المصرى، ناهيك عن (الغرفة الناعسة)، وأعنى بها (غرفة صناعة السينما)، التى صارت فى السنوات الأخيرة (لا تهش ولا تنش) تعيش فقط فى سبات عميق.
نحن بحاجة أولًا إلى دراسة جادة تتناول المكاسب والخسائر التى يجنيها المهرجان، والتى أرى أنه حان وقت المصارحة الجادة، والتى تتكئ على قرار مصيرى، خاصة أننا نرى تراجع المهرجان، مصريا وعربيا وعالميا، بعد أن تدخلت مصالح صغيرة حالت دون استمرار الرئيس السابق محمد حفظى، رغم أنه أحدث نقلة نوعية، نستطيع أن ندعمها بالأرقام، هناك داخل الوزارة من تربص كالعادة بالنجاح، لأنه يعنيه فقط السيطرة على النشاط السينمائى، والكل يخضع لأفكاره، الآن حان وقت المراجعة.
مهرجان القاهرة هو عنوان مصر الأول فى السينما، وفى توقيت ما كان هو أهم حدث ثقافى تعيشه مصر، بداية من زمن الكاتب الكبير كمال الملاخ، صاحب فكرة إقامة المهرجان عام 1976، وتقيمه جمعية كتاب ونقاد السينما، بقيادة كارزمية للملاخ، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
المطلوب أن نتصارح، هل من صالح مصر أن يستمر الوضع كما هو عليه، الدعم تناقص بحكم مقارنة سعر صرف الدولار واليورو بالجنيه المصرى، هناك الكثير من المحددات والعقبات فى الحصول على دعم خارجى.
الحكاية قطعًا فى عمقها ليست فى وجود جناح يرفرف فوقه العلم المصرى، تلك هى البداية لكى يعود المهرجان متألقًا على الخريطة، أكرر الأمر ليس متعلقًا بالأشخاص، ولكن بمهرجان أراه الآن حائرًا يبحث عن طوق نجاة