من المنتظر أن يعقد مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، برئاسة حسين فهمى، مؤتمرًا صحفيًا داخل سوق المهرجان، معلنًا الخطوط العريضة للدورة القادمة، حيث غابت مصر العام الماضى بسبب أحداث غزة، لأسباب خارجة عن إرادة القائمين على المهرجان، فهو قرار الدولة، ولهذا فإن الترقب كبير لهذه الدورة.
«حسين» غالبًا سيُلقى كلمة قصيرة عن ملامح المهرجان، أغلب الظن سوف يقام اللقاء داخل (مركز السينما العربية)، الذى يرأسه الباحث السينمائى الدؤوب علاء كركوتى، حيث تعذر ماديًا تأجير جناح، ربما للعام السادس على التوالى، بسبب ضعف الميزانية التى يتحرك خلالها كل فعاليات المهرجان فى ظل منافسات شرسة نتابعها جميعًا، وهو ما يفترض وبسرعة ضرورة البحث عن بدائل داعمة.
ورأيى الشخصى أن مهرجان القاهرة حتى يستطيع التحرك بمرونة أكثر ليس أمامه كخطوة أولى سوى التخلص من هيمنة وزارة الثقافة، المهرجان حاليًا طبقًا للقرار الوزارى الصادر فى 2014 تقيمه وزارة الثقافة، بينما كانت الدولة قبلها حريصة على إعلان أنه يقام تحت رعاية الوزارة والفارق شاسع بين إقامة المهرجان ورعايته.
المطلوب هيئة مستقلة للمهرجان تمنحه حرية الحركة، وهكذا يستطيع فى ظل تقلص دعم النشاط السينمائى الذى تقدمه الدولة، أن يحقق استقرارًا ماديًا، سيلعب دورًا حيويًا فى قدرة المهرجان على المنافسة، التى نعايشها جميعًا.
أراه هو الحل الوحيد حاليًا، مؤكد أن هناك محاولات يبذلها رئيس المهرجان لطرق أبواب العديد من الرعاة، ولكنى لا أتصور أن هناك استجابة.
أغلب رجال الاقتصاد فى مصر من أصحاب الشركات الكبرى، ليس لديهم شغف حقيقى بالأنشطة الثقافية، وإذا استبعدنا (الأخوين ساويرس، نجيب وسميح) بدعمهما للنشاط الثقافى، فلن نجد الكثير ممن لديهم نفس النهج، قطعًا صار (للأخوين) مهرجان متميز فى غضون سنوات قلائل، استطاع (الجونة) تثبيت أقدامه عربيًا ودوليًا، ولهذا من المنطقى أن تتوجه كل الطاقة لدعم المهرجان الذى يحمل اسميهما.
حالة مهرجان القاهرة تحتاج لإعادة هيكلة، ولا أتصور أن الأمر متعلق بالأشخاص ولكن بتغيير البناء القانونى، الذى أراه حاليًا مقيدًا للتحرك خارج الصندوق للبحث عن حلول لائقة بالمهرجان تنتزعه من حالة الخفوت التى بات عليها فى آخر عامين.
أتذكر جيدًا كيف كان الجناح المصرى فى الماضى هو البؤرة للعديد من الأنشطة الثقافية، عاصرت الجناح منذ عام 1992 عندما كان سعد الدين وهبة رئيس المهرجان، وكان شعلة نشاط، مصريًا وعربيًا، من خلال اللقاءات المتعددة التى تقام تحت مظلته، الآن مركز السينما العربية يتحمل إقامة هذا النشاط سنويًا، ولا يكتفى فقط بمهرجان (كان) ولكن فى برلين أيضًا قدم نشاطًا موازيًا.
تجربة المركز العربى، الذى انطلق نشاطه من مصر بدأب وإصرار من مجموعة تعشق الفن السابع، ترنو بلا حدود لأبعد سماء، يتجاوزون الميزانية المحدودة بأحلامهم التى لا تعرف حدودًا، يتواجدون فى أغلب المهرجانات الكبرى، يتحملون التكلفة التى ترتفع عامًا بعد عام، العديد من المهرجانات المصرية وجدت فى هذا الجناح فرصة لكى تعلن عن نفسها للعالم.
أعلم أن هناك توجهًا عامًا رسميًا داخل الدولة يقضى بضرورة خفض المصروفات، فيما يتعلق بالإنفاق الحكومى، ولكنى لا أجد سببًا واحدًا يحول دون إقامة هذا الجناح، وهو بالمناسبة لا يعنى مهرجان القاهرة فقط، ولكن كل المهرجانات المصرية، وكل الأنشطة السياحية أيضًا، من وزارات السياحة والآثار والطيران المدنى، تواجده يلعب دورًا محوريًا فى وصول الرسالة للعالم عن حضارة مصر، ولهذا من الممكن أن تساهم فى إقامته أكثر من جهة، مثل وزارات الثقافة والسياحة والطيران، وأيضًا غرفة صناعة السينما وغرفة السياحة ومهرجان القاهرة وغيرها.
أتذكر قبل 20 عامًا عندما كانت غرفة صناعة السينما تقيم الجناح بمفردها، كانت تكتفى بناء على تعليمات المنتج الراحل منيب شافعى، رئيس الغرفة، بتقديم مشروبات شعبية مصرية، مثل الخروب والدوم والعرقسوس، أما الحلويات فإنها حمصية وسمسمية والحمص والسودانى وحب العزيز، وكان البعض يأتى ليتذوق يوميًا هذه المشروبات ثم يتعرف على السينما.
افتقدنا وجود جناح يحمل اسم (المحروسة)، مثل أغلب الدول التى لها صناعة سينمائية، لماذا لم تدرك أى جهة رسمية أو شعبية أهمية تواجد مقر خاص بنا؟
على الجانب الآخر فى السوق السينمائية المصاحبة للمهرجان تطالعك إسرائيل بجناح دائم، وهو أول الأجنحة التى أقيمت داخل قصر المهرجان، تابع لمركز السينما الإسرائيلى، أراه منذ مطلع التسعينيات، ولكنه أقيم قبل هذا التاريخ، ومن خلاله تُقدم إسرائيل تعريفًا للعالم عن تاريخها السينمائى، وأيضًا أفلامها الحديثة والقديمة، ناهيك عن أن شركات خاصة إسرائيلية تقيم أجنحة، وترفع أيضًا العلم.
المهرجانات الكبرى مثل «كان» من الممكن أن تراها بمثابة منصات لإطلاق دعاية لأكثر الفنون جماهيرية ومن ثم تأثيرًا، وهو الفن السابع، فى المقابل حدّث ولا حرج، رغم أنه لا أحد فى الحقيقة سيشعر بالحرج، لا أتصور أن مشاركة العديد من الوزارات فى جناح مصرى أمر يصعب تنفيذه.
خاصة أنه توجد لجنة مهرجانات شكلها رئيس الوزراء برئاسة وزيرة الثقافة، ويشارك فيها أكثر من وزارة، أى أن توجه الدولة لأهمية إقامة المهرجانات فى مصر دفعها لإصدار هذا القرار، الذى يؤكد أن المهرجان يتجاوز صلاحية وزارة واحدة ليصبح قرار دولة.
عندما كان الراحل سعد الدين وهبة يرأس المهرجان من «1985 حتى 1997»، كان حريصًا على أن تحتل مصر مكانًا مميزًا فى السوق، وهو ما نجح فيه أيضًا حسين فهمى فى السنوات الأربع التى تولى فيها رئاسة المهرجان منذ 1998، وتتابعت الأجنحة المصرية بعد ذلك، وربما بدأ التعثر فى السنوات الثمانى الأخيرة، خاصة أنها شهدت إلغاء دورتى عامى 2011 و2013، ثم 2023 من تاريخ المهرجان.
لدينا من الآن عام كامل لنرى العلم المصرى مرة أخرى يرفرف على شاطئ الريفييرا فى 2025، البداية أراها حتمية تتكئ على جرأة صانع القرار، الدعوة لإنشاء هيئة مستقلة للمهرجان، تتحرك بعيدًا عن الروتين الوظيفى، ومؤكد أن مهرجان القاهرة هو أحد أهم عناوين مصر الثقافية، علينا أن نبدأ فى وضع الخطة سريعة لحماية هذا العنوان!!.