بقلم: طارق الشناوي
الدورة الرابعة لمهرجان «البحر الأحمر»، تحمل هذا الشعار الموحي «للسينما بيت جديد»، وتملك ظلال هذه الكلمة كثيراً من التداعيات الإيجابية. أكرر «بيت جديد»، وليس «بيت بديل»، الفارق شاسع، عانينا نحن العرب من تلك المقولة، التي كثر استخدامها في السبعينات من القرن الماضي «السينما البديلة»، وباقي الجملة يعني «السينما البديلة عن السينما المصرية». انطلق الشعار من سوريا الحبيبة، وتبنَّاه عدد من المخرجين في بعض الدول العربية، ثم وكالعادة هدأ الموقف، واكتشف الجميع، مع الزمن، أنك لا تستبدل فناً بفن، ولا فيلماً بفيلم، ولا سينما بسينما، ولا مهرجاناً بمهرجان، ولكنك تضيف للمنظومة فناً وفيلماً ومهرجاناً. أتابع مهرجان «البحر الأحمر» ليس فقط منذ بدايته عام 2021، بل قبل تلك البداية الرسمية، بعام، منذ الدورة التي تم تأجيلها في اللحظات الأخيرة؛ بسبب جائحة «كوفيد - 19».
هناك رغبة تحميها القدرة، لإنعاش المهرجان الذي استطاع في سنوات قليلة، تحقيق مكانة استثنائية عربية ودولية يشهد لها الجميع. وأتمنى ألا يختصر البعض نجاح «البحر الأحمر»، بالإمكانات الضخمة، سنكتشف أن كثيراً من المشروعات المماثلة، رُصدت لها ميزانيات أكبر، إلا أنها لم تستطع الصمود، فتداعت مع الزمن، وأصبحت الآن أثراً بعد عين. الفكر يجب أن يسبق المال. ما يمنح المهرجان حياة، يكمن في أن تتعدد أنشطته، وتصب أولاً في مصلحة السينما الوطنية، ثم تتسع الدائرة عربياً ودولياً.
كثير من الأفلام المعروضة ضمن الفعاليات، نبتت فكرةً في العام الماضي، داخل الكواليس، ووجدت مَن يتبناها ويسهم في وجودها، وهكذا وُلدت في «البحر الأحمر» وعادت إلى «البحر الأحمر»، لتنعش الجمهور في القاعات. الرؤية العميقة، لا تعتبر المهرجان مجرد عَشرة أيام، وبعد انقضائها نغلق الصفحة. يجب أن تظل الصفحة مفتوحةً طوال العام.
انتعاش السينما داخل المملكة العربية السعودية، أحد أهم الأهداف، بزيادة عدد الأفلام المنتَجة، والتوسع في بناء دور العرض، مع تخفيض سعر التذكرة، الذي أعاد النبض للسينما العربية وليست فقط السعودية. تستطيع عند مراجعة إيرادات الأفلام التأكد عملياً بأن السوق السعودية باتت تحقق مثلاً للفيلم المصري ما يربو على 60 في المائة من الدخل، وعند قراءة شباك التذاكر، تكتشف أن الفيلم الكوميدي يحتل المركز الأول، وطبقاً لذلك فسوف تزداد مع الزمن هذه النوعية، لأنك من خلال الكوميديا تستطيع تمرير كل الأفكار، وطرح كل القضايا.
الإنتاج المشترك أحد أهم المنابع لتقديم سينما جريئة فنياً واجتماعياً. فيلم الافتتاح «ضي» يتجسَّد فيه هذا المعنى، به أكثر من شراكة، إنتاجية وفنية، مصرية وسعودية، الفيلم ينطلق من مهرجان «البحر الأحمر» إلى مهرجان «برلين» في دورته رقم 75 (اليوبيل الماسي)، التي تُفتَتح في 13 فبراير (شباط) المقبل، ممثلاً للسينما المصرية والسعودية، ليؤكد أن الفن الصادق، قادر على عبور الحدود. لا نغفل أبداً توفر عامل مؤثر وهو الطموح، الذي يتجاوز عادة سقف المتاح، فلم تعد تكفي السينمائي المشارَكة في مهرجان عالمي، ولكن أن يُتوَّج أيضاً بجائزة، مثلما حدث في مهرجان «كان» الماضي، ونال الفيلم السعودي «نورا» جائزة من لجنة تحكيم قسم «نظرة ما».
واكب ذلك سماح رقابي يتيح للسينمائي التشابك بحرية مع القضايا الاجتماعية، أضع فيلم «مندوب الليل» في مقدمة الأفلام العربية وليست فقط السعودية في جرأة هذا الطرح الفكري.
كل تلك الأعمدة الراسخة، تهيئ المناخ لتجسيد شعار «للسينما بيت جديد». كلمة السر هي امتزاج الصدق مع الحرية بالإرادة السياسية، القادرة على قراءة المستقبل، «للسينما بيت جديد»، بيت جديد للإبداع، يفتح أبوابه لكل الصادقين!