بين الحين والآخر يتعرض الفنانون الراحلون لحكايات، جزء كبير منها مختلق ـ ربما كان بها فقط بصيص من الحقيقة، قطعًا، ليست كل الحقيقة، كما أن إثباتها فقط بيد من يحكى، ولا يوجد عادة عليها شهود أحياء يرزقون.
كثيرا ما أسمع وأتابع، عبر (الميديا)، بعضها، وبديهى أن الورثة يعلنون الغضب، مثلما حدث مؤخرًا بين الفنانة المعتزلة أمال رمزى وهند سعيد صالح، وجهت أمال ضربات تحت الحزام فى حديث لها ضد سعيد صالح.
لم تكن الأولى التى توجه طعنات، تنال من سعيد الإنسان، فعلها أحد الممثلين المساعدين قبل نحو عامين، وتقدم بعدها باعتذاره أكثر من مرة.
هل الفنان فى حياته يروى كل شىء بصدق؟، الحقيقة هى لا، ليس كل ما يعرف يقال، هذه هى القاعدة، كثيرًا ما يتم تبادل معلومات مغرضة من أجل النيل من سمعة فلان، ونتابع أيضا كيف أن الوسط الفنى ملىء بالشائعات التى يروج لها عدد منهم، لتنال من زملائهم، كما أن صمت البعض منهم على الشائعة طالما لا تمسه شخصيا يمنحها قدرا من الترويج.
الرغبة الكامنة فى ضمير قطاع من الجمهور، وهى مرتبطة بالتكوين النفسى تجعلهم يميلون أكثر لتصديق كل ما هو سلبى، الناس تصنع النجم، ولكنهم يشعرون أيضا بأنهم ينبغى لهم إثبات أنهم قادرون على تحطيمه فى لحظات، ولهذا يميل الجزء الأكبر منهم لترديد الشائعة السلبية، وبعد ذلك من كثرة تداولها يصدقونها.
ويبقى أن أولاد البلد لديهم قانونهم تقرأة فى تلك الجملة (المجالس أمانات)، من البديهى أن كل دائرة من الأصدقاء لها قانونها وشفرتها فى الحوار، وبين الحين والآخر، تسمح تلك الشلة بهامش من الأحاديث خارج القانون المتعارف عليه، لأنهم يرسمون قانونهم، طالما أنت متواجد فى تلك (الشلة) ووافقت على هذا الهامش، عليك الالتزام بما استقروا عليه، ولا تسمح لنفسك بأن تحكى ما دار خارج تلك الدائرة.
كنت على علاقة وطيدة جدا بالمخرج الكبير توفيق صالح، نتواجد فى لجنة واحدة على مدى ١٥ عاما، لجنة (المهرجانات) التابعة لوزارة الثقافة، الغرض منها اختيار الأفلام التى تمثل السينما المصرية.
وكثيرا من كنت أصطحب المخرج الكبير الأستاذ توفيق بعد انتهاء اللجنة إلى منزله بحى الجيزة المطل على النيل، وحكى لى الكثير.
الأستاذ توفيق هو أصغر مجموعة الحرافيش القدامى الذين ارتبطوا بجلسة أسبوعية كل يوم خميس تحت مظلة نجيب محفوظ، وكان بينهم أحمد مظهر ومحمد عفيفى الكاتب الساخر، والكاتب الذى لم يكمل الطريق عادل كامل، وهو الذى أطلق عليهم (حرافيش)، كما كان بينهم الفنان التشكيلى جميل شفيق وفنان الكاريكاتير بهجت عثمان.
حاولت أن أقنع الأستاذ توفيق حتى يروى لى بعض حكايات الشلة، كان فقط يروى بعضها ويقول لى هذا غير مسموح بنشره، والبعض الآخر يسمح، أو بتعبير أدق القليل منها يسمح بتداوله، وعدد من غير المسموح به من وجهة نظرى لا ينطوى على شىء يستحق الكتمان، ولكنى احترمت ولا أزال رغبة الأستاذ توفيق.
أتذكر أن الشاعر الغنائى الكبير أحمد شفيق كامل- مؤلف أنت عمرى- منحنى تسجيلًا فى بيت عبد الوهاب، به أصوات كل من كامل الشناوى ومحمد عبد الوهاب وجليل البندارى والسيدة نهلة القدسى، وكان من عادة الأستاذ شفيق أن يسجل تلك الحوارات، وبعد أن استمعت إليه لم أجد ما يستحق المنع، ولكن الشاعر الراحل الكبير لم يأذن بالتداول ويجب أن أحترم رغبته وحتى الآن أحتفظ به ضمن أوراقى.
فضح الأسرار وتداول حكايات حتى لو كانت فى جزء منها صادقة، تدين من يرويها أولًا وثانيًا وإلى آخر العمر!!.