العديد من الدروس علينا استيعابها من خلال توقيت عرض فيلم (جولدا) مواكبًا لليوبيل الذهبى (50 عاما) على انتصارنا فى حرب 6 أكتوبر.
قول واحد: الفيلم الذى شاهدته فى قسم (البانوراما) بمهرجان برلين فبراير الماضى يزيف التاريخ.. من حقنا أن نقول ذلك وأكثر عن الفيلم البريطانى للمخرج نيكولاس مارتن وبطولة هيلين ميرين الفنانة المبدعة الحائزة من قبل أوسكار عن فيلم (الملكة) قبل نحو 18 عاما.
هل بإعلان الرفض انتهى دورنا فى مواجهة رسالة الفيلم التى صدّرها للعالم من خلال واحد من أعرق المهرجانات فى الدنيا وأكثرها تأثيرا؟.. كل تلك التفاصيل ليست عشوائية، وتوقيت العرض الجماهيرى العالمى (مقصود مقصود مقصود).
الشريط السينمائى يقلب الحقائق، معتبرا انتصارنا كعرب فى أكتوبر 73 تحقق فقط فى الأيام الأولى للحرب، بعدها انقلبت الموازين، والجيش الإسرائيلى بعد اختراقه الثغرة صار منتصرا، وهو ترويج خاطئ لأكذوبةٍ صدّروها للعالم، يكررونها فى أفلامهم، ولم تكن المرة الأولى، ولا أتصورها الأخيرة.
الصهيونية أدركت مبكرًا وقبل أكثر من مائة عام؛ أى قبل قيامها كدولة، خطورة هذا السلاح- أقصد السينما- بينما نحن غائبون تماما عن المشهد.
عرفت إسرائيل أهمية السينما، واستخدمتها فى التمهيد لاحتلال الأرض من قبل حتى (وعد بلفور) آرثر بلفور 1917 وزير الخارجية البريطانى لإقامة وطن لإسرائيل.. فورًا، نشطت العقلية الإسرائيلية وقدمت أفلامًا تسجيلية صامتة عن حق إسرائيل المزعوم فى أرض فلسطين، مثل (قطيع ماعز فى القدس).. وبعد دخول الصوت، وفى مطلع الثلاثينيات، قدمت أيضا أفلامًا مثل: (صبار) وتعددت الأفلام الإسرائيلية خاصة بعد نكبة 48.
اكتفينا نحن بأغانٍ نرددها فيما بيننا مثل: (أخى جاوز الظالمون المدى / فحق الجهاد وحق الفدا) لعلى محمود طه، تلحين وغناء عبدالوهاب.. فى عام 1960، واصل بن جوريون مؤسس الدولة العبرية استخدام هذا السلاح، وساهم فى إنجاز فيلم (أكسودس) بطولة بول نيومان وحصد الأوسكار. بين الحين والآخر.
يقدمون أفلامًا تتحدث عن رغبتهم فى السلام مثل: (زيارة الفرقة الموسيقية) 2007 شاهدته فى مهرجان (كان)، حاولوا اختراق أكثر من مهرجان عربى، وقدموا فى المشهد الأخير عناقًا بين العلمين المصرى والإسرائيلى، وتداخلت موسيقى النشيدين الوطنيين.. لا أنكر أنهم يعلنون دائمًا عن رغبتهم فى السلام.
بينما الممارسات على الأرض تؤكد أنهم لا يجيدون سوى الاغتصاب، حتى فى فيلم (جولدا) أسهبوا فى تقديم مشاهد تسجيلية لمفاوضات السلام بين الرئيس الأسبق أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن، وحضرت جانبا منها جولدا مائير، لثقلها التاريخى، وتضاحكت كثيرًا مع السادات.. أنهى الفيلم البريطانى مشاهده بحمام سلام مقتولا على الأرض، وكأنهم يريدون السلام بينما نحن الذين نسفك الدماء.
كان الرئيس أنور السادات مولعا بالفن والسينما تحديدا، وحاول فى شبابه أن يصبح ممثلا فى فيلم (تيتاوونج) إخراج أمينة محمد.. ورغم ذلك، فإنه بدافع حرصه على السرية المطلقة لم يسمح بتواجد كاميرات فى بداية حرب العبور، وكل ما نشاهده فى الأفلام لقطات أعيد تصويرها بعد ذلك.
قال لى عمر الشريف الذى ربطته صداقة مع السادات، إنه طلب منه إنتاج فيلم عن أكتوبر، ورصد له ميزانية مفتوحة، وافق عمر الشريف فى البداية، إلا أنه بعد ذلك تراجع، وقال لى: «لو نجح الفيلم سيُحسب للسادات، ولو فشل سأواجه أنا فقط نيران الغضب».
هل كل الإسرائيليين سعداء بالفيلم؟!.. نعم، ولكن فرحتهم منقوصة؛ لأن هيلين ميرن ليست يهودية، هل رأيتم تعصبًا أكثر من ذلك، وما الذى علينا أن نقدمه، هل نكتفى بالأفلام المصرية الستة التى قدمناها مواكبة لانتصار أكتوبر؟!.. غدًا نجيب عن السؤالين!.