بقلم: طارق الشناوي
ما الهدف من إقامة مهرجان سينمائى؟ قطعًا هو النجاح فى تحقيق الجذب الجماهيرى فى الداخل وأن يتحول إلى رقم مهم على الخريطة الدولية، إلا أن هناك هدفًا استراتيجيًّا أبعد من كل ذلك، أن يؤكد المهرجان من خلال فعالياته، على توفر صناعة سينمائية فى البلد صاحب الأرض.
نجح (البحر الأحمر) فى الرهان على الهدفين، صارت له مكانته الدولية، أصبح يشكل منصة رئيسية للسينما العربية، تواجدت فى فعالياته، أهم الأفلام التى مثلتنا كعرب فى المهرجانات العالمية، بدأنا نرى سينما سعودية، تتحدث بلغة عصرية، وتتواجد أيضًا بالمهرجانات، رغم أن كلمة سينما كانت قبل سبع سنوات لا يمكن استخدامها فى أى حوار، إلا بالكثير من التحفظات.
حتى يتواجد الفيلم، لا يكفى إقامة بنية تحتية من استديوهات تصنع الشريط ودور عرض تسمح بتداوله، يجب أن يواكب ذلك إرادة تمنح السينمائى الأمان والقدرة على المشاغبة والدخول فى الممنوع، فبقدر ما تملك السينما السعودية من قدرة على الاقتراب من (المسكوت عنه)، بقدر ما تتمكن من الحياة والتنفس والتواجد فى المهرجانات وأيضا حصد الجوائز، وقبل ذلك الوصول للإنسان البسيط، عندما يرى نفسه على الشاشة، وهو ما استطاع فيلم (مندوب الليل) تحقيقه، أول فيلم روائى طويل للمخرج على الكلثمى، الذى شارك أيضًا فى كتابة السيناريو مع محمد القرعاوى.
مثل الفيلم السينما السعودية بالمسابقة الرسمية للمهرجان مع 16 فيلمًا آخر، ليس من بينها السينما المصرية، التى تراجعت كثيرًا، مصريًّا وعربيًّا ودوليًّا وتلك حكاية أخرى.
المخرج يحاول من البداية كسر المسافة بينه وبين الجمهور، شارحًا كلمة مندوب بالمعنى المباشر وأيضًا ظلال الكلمة، المندوب هو المكلف بالمهمة، وهو أيضًا صفة تطلق على المتوفى، كما أنها تحمل معنى المصاب بالندوب، وتلك الإشارة المكتوبة على الشاشة، ليست مجانية، ولهذا كتبها المخرج فى بداية الفيلم ونهايته، البداية لكى يقدم المعنى المباشر، بينما فى النهاية حتى تضيف أنت أيضا المعنيين المستبعدين، هل البطل مجرد مندوب مكلف بأداء مهمة أم أنه متوفى أم لعله مصاب بالندوب؟.
الفيلم يقدم معاناة الإنسان البسيط، الطبقة المهمشة، الليل ترى فيه الطبقة الثرية والمتوسطة، ثم هؤلاء المهمشين، الليل وظلامه على عكس ما يبدو ظاهريًّا أنه ساتر للعيوب، بينما الحقيقة أنه كاشف لها.
السينمائى السعودى صار لديه هامش للمشاغبة الاجتماعية، وأيضا لكسر النمط الذى كثيرًا ما يقدم شخصية السعودى، أو الخليجى (الفلكلورية)، بها فقط ملامح الثراء، وهى صورة رسختها بعض الأفلام المصرية وانتقلت للسينما العربية، بينما من يعايش الحياة واقعيًّا، سيتأكد أنه بعيد تمامًا عن هذا التنميط.
هناك ملمح آخر يجب أن نتوقف عنده، الدولة ممثلة فى الأجهزة الإنتاجية وأيضًا الرقابية، فتحت الباب للمبدعين لتقديم أحلامهم بدعم مادى كبير، إلا أنها قبل وأهم من ذلك منحت السينمائى ضوءًا أخضر لاقتحام ما دأبنا على أن نغلفه بأوراق السوليفان. الشاب مثقل بالعديد من المشاكل الوجودية كما أنه صار مسؤولًا عن عائلته الأب العجوز المريض وأخته المطلقة، بينما بسبب سوء سلوكه واندفاعه، طرد من إحدى شركات المحمول ليصبح مندوب مبيعات يعمل فى وردية الليل.
الليل يحمل بسواده غموضًا ووفى نفس الوقت ينبئ ببصيص من نور، يمنحك إحساسًا كاذبًا أنك تمتلك كل شىء، عندما يغيب البشر عن الشارع تشعر بأنك تمتلك الشارع، وهكذا يقرر أن يسرق من سارق، وهناك من يصنع خمورًا، فيقرر أن يسرقه.
ويأتى للذروة، مشهد الحافلة وهى تنقل البطل، بينما الكاميرا تستعرض كل تلك الوجوه ومن مختلف الجنسيات، التى تفيض ملامحها بالكثير من الحكايات.
بطل الفيلم محمد الدوخى نجح فى تقديم الشخصية بتكثيف مبهر، وشاركه المخضرم محمد الطويان وسارة طيبة. فيلم سعودى مختلف عن السياق يستحق أن يتقدم السباق!.