بقلم: طارق الشناوي
كثيرا ما أسهبنا فى عشرات المواقف التى تدل على التقدير الشخصى من الرئيس جمال عبد الناصر لأم كلثوم، منذ أن كانت هى الصوت الذى آنس وحدة الفرقة العسكرية التى كان يقودها القائم مقام (اللواء) الفهد الأسمر سيد محمود طه، وكان جمال عبد الناصر برتبة يوزباشى (نقيب) ضمن حصار (الفالوجا) أثناء حرب 48، عندما تواصلت القيادة العسكرية مع المحاصرين، تسألهم ماذا يريدون، طلبوا أن تغنى أم كلثوم فى حفلها (غلبت أصالح فى روحى)، وغيرت أم كلثوم الاتفاق مع الفرقة الموسيقية وأهدت لهم أيضا رائعتها (أنا فى انتظارك)، وبعد عودتهم كانت فعلا فى (انتظارهم) واستقبلتهم فى الفيلا بالزمالك.
وصلنا للثورة عندما سخر عبد الناصر من الضابط الذى كان مسؤولا عن الإذاعة فى أعقاب 23 يوليو52، بعد أن منع أغانى أم كلثوم وعبد الوهاب بحجة أنهما غنيا للملك، ولا يجوز لمن عايش العهد الملكى أن يغنى بعد الثورة، قال له عبد الناصر ساخرا: (إذن ألغ كمان النيل والهرم لأنهما تواجدا فى زمن الملك).
عبد الناصر كان سميعا (للست) وكثيرا ما كان يذهب إلى حفلها مع أحد من ضيوفه كنوع من الحفاوة بالضيف وأيضا للاستمتاع الشخصى، ولا حظت شيئين أولا أن عبد الناصر لم يصطحب ولا مرة زوجته السيدة تحية، هذا يدل على شخصية متحفظة اجتماعيا، الملحوظة العابرة الأخرى أن فى أغلب المرات التى تواجد فيها عبد الناصر غنت أم كلثوم (أروح لمين) من تلحين رياض السنباطى وتأليف الضابط عبد المنعم السباعى، وستكتشف أنها تحتل المكانة رقم واحد فى عدد التسجيلات الإذاعية، السباعى كان يشغل موقع رئيس (أركان الإذاعة) هو توصيف وظيفى عسكرى.
السباعى والد المخرج مدحت السباعى، كما قال لى كتب (أروح لمين) كشكوى لعبد الناصر، عندما استبعده استجابة لوشاية كيدية عن مكتب (ناصر) الصحفى، طبعا هى أغنية عاطفية فى بنائها المباشر إلا أنه كان يقصد عبد الناصر (أروح لمين/ وأقول يا مين/ ينصفنى منك/ ما هو أنت فرحى/ وإنت جرحى/ وكله منك).
حياة السباعى كشاعر مليئة بالمفارقات، ودائما يقصد فى أغانيه معنى آخر، وهكذا كتب أغنية عبد المطلب الشهيرة (بياع الهوى راح فين)، هو يقصد (الهوا) بينما لجنة النصوص وافقت عليها على اعتبار أنه يغنى (للهوى) الحب، المقصود هو (الهوا) الحشيش، هكذا يطلق عليه (أولاد البلد)، ولو أعدت استرجاع كلمات الأغنية ستتأكد انه يقصد (الهوا)!!.
عودة لناصر، طبعا هناك كالعادة، مبالغات منتشرة على (النت) لقصص وهمية مثل أن الطبيب حسن الحفناوى زوج أم كلثوم فى مشادة بينهما صفعها، اشتكته لعبد الناصر فوجه له عتابا شديدا وهدده، أراها (فنكوش) من فناكيش (النت).
إلا أن هناك حقائق لا يمكن الشك فيها، موقف أم كلثوم فى دعم القوات المسلحة بعد هزيمة 67، كانت أم كلثوم تتحمل من جيبها الخاص دفع أجور الفرقة الموسيقية حتى تذهب حصيلة الحفل كاملة للجيش، كما أنها بعد رحيل عبد الناصر قررت الاعتزال، وأفضت بتلك الرغبة للأستاذ سامى شرف سكرتير ناصر، فقال لها لو كان ناصر يملك الإجابة لطلب منها مواصلة الغناء. ويبقى موقف قصيدة (عندى خطاب عاجل إليك)، تأليف نزار قبانى وتلحين رياض السنباطى.
بعد أن سجلتها وسط دموعها، وعادت للبيت، طلبت من الإذاعة أن تعتبرها كأنها لم تكن، ومنعتها من التداول!!.
هل أيقنت بحكم إدراكها لطبيعة الأمور، أنها ستصبح فى القائمة السوداء فى زمن السادات، بدلا من أن تستقبله بأغنية كما فعلت مع عبد الناصر حتى قبل أن يصبح رئيسا (أجمل أعيادنا الوطنية بسلامتك يوم المنشية)، يستمع إلى نحيبها لفقدان ناصر؟.
الأمر يستحق إطلالة أخرى؟!.