بقلم: طارق الشناوي
سألت المخرج سعيد مرزوق عن أسوأ أفلامه، فأجابنى: (الدكتورة منال ترقص)، وأضاف: «ولو عادت بى الأيام فسوف أخرج هذا الفيلم، لأننى كنت بحاجة لكى أسدد تكاليف المستشفى الذى تعالج فيه أمى».
سألت المخرج يوسف شاهين، فأجابنى: (سكوت ح نصور) هو الأسوأ، وقبل أن أسأله عن السبب، قال لى: «سوء تقدير منى»، ولم يتطرق مثلا إلى إغراء مادى تعرض له ولم يستطع مقاومته، أو لأنه كان فى ضائقة مالية.. فقط سوء تقدير. ورغم أنه كانت لدىَّ معلومات أخرى إلا أننى احتفظت بها لنفسى، ولم أشأ أن أذكّره كيف هاجمنى بضراوة وقتها لمجرد أننى قلت رأيى مباشرة فى حالة الفيلم الذى لم يتبق منه مع الزمن سوى أغنية المطربة لطيفة والشاعر جمال بخيت والموسيقار عمر خيرت (الورد البلدى).
فى حوار لتوفيق الدقن، قدم (وصلة من الصراحة) قبل رحيله بعام أو اثنين، قال: شاركت فى 400 فيلم، راضٍ فقط عن 100، والباقى (أكل عيش).. الدقن قال الحقيقة التى نخشى جميعا الإفصاح عنها، وأضاف: أرفض أن أجلس على المقهى وأمد يدى لمن يمنحنى قرضا حسنا أسدد به ثمن الشاى والقهوة.
فى مذكرات أشهر كاتبة بريطانية، والتى تحتل المرتبة الثانية بعد وليم شكسبير فى تحقيق أعلى أرقام المبيعات، أتحدث عن أجاثا كريستى، قالت إنها تعودت عندما تحتاج إلى نقود لإصلاح مثلا شرفة فى منزلها، تسارع بالبدء فى كتابة قصة، وتحصل على العربون، ويعدها تتفق مع النجار.. الكثير من أعمالها كان الدافع الأساسى لكتابتها هو الاحتياج المادى، فإذا لم يكن إصلاح شرفة منزل، فربما تغيير (شكمان) سيارة.
عمر الشريف كان يقول: أشعر أن الله يقف دائما معى، عندما أحتاج إلى مال أجده فورا، يدق التليفون من شركة الإنتاج تعرض دورا، ولا يكابر عمر، فهو يوافق على الدور بعيدا حتى عن قناعته الفنية.. التمثيل مهنته الوحيدة التى يتكسب منها، وقال لى إن العديد من الأدوار التى شارك فيها لم يكن راضيا عنها، ولكن الاحتياج المادى.
الشاعر الغنائى الكبير فتحى قورة الذى لم ينل منا ما يستحق من حفاوة، قال إنه كان فى ضائقة مالية، واتصل به فريد الأطرش طالبا منه أن يكتب أغنية مطلعها (يا قلبى كفاية دق)، وأرسل له العربون، فحاول قورة استكمال المطلع فلم يستطع، اتصل بفريد قائلا إنه غير مقتنع، لأن القلب عندما يتوقف عن الدق فهذا معناه الموت.. هكذا كان يعرف الناس الموت قبل أن يصبح علميا هو موت جذع المخ، وحاول قورة إقناع فريد بأن يترك له الأمر برمته، وسيكتب مطلعا جديدا أحلى، بينما فريد يرفض التغيير، فاضطر قورة أمام حاجته المادية لأن يرضخ وأكمل (مادام حبيبك رق)، فأصبحت من أشهر أغنيات فريد.
أكثر من ذلك، صرح أيضا فتحى قورة بأنه عرض عليه شاعر غنائى كبير أن يكتب له من الباطن مقابل أن يحصل على ضعف أجره الذى كان يتقاضاه وقتها، فوافق على تلك المقايضة، إلا أنه أضاف: كلما استمعت الآن إلى تلك الأغنيات، أبكى وكأن ابنتى مكتوب فى شهادة ميلادها الرسمية أنها من أب آخر!.
كان الشاعر والكاتب بديع خيرى يعتب على المخرج هنرى بركات أنه ظل عامين متتاليين يعتذر عن عدم إخراج عدد من السيناريوهات بحجة ضعف مستواها، فقال له: (يا هنرى، الفنان لا يتوقف، عندما تجد سيناريو رائعا، البس (الاسموكن) واذهب للاستوديو.. وعندما لا تجد العمل المتكامل، البس (العفريتة الزرقاء)- يقصد بدلة العمال الحرفيين- واذهب للاستوديو).
نعم أنت حر، ترتدى (الاسموكن) أو (العفريتة)، إلا أنه عليك فى الحالتين إتقان الصنعة.. الفنان المحترف قد يضطر أمام احتياجه المادى لأن يقدم أعمالا من أجل فقط لقمة العيش.. هكذا قالها بكل صراحة (همبكة)، دون لف أو دوران (جاب م الآخر)!.