قبل نحو شهرين، تلقيت اتصالًا هاتفيًا من مركز (السلطان قابوس للثقافة والفنون) بسلطنة عمان - التابع مباشرة لديوان البلاط السلطانى - للاشتراك فى لجنة التحكيم النهائية فى مجال الإخراج السينمائى (فرع الفنون)، لاختيار مخرج عربى ينال تلك الجائزة.
يُمنح الفائز وسام السلطان الراحل قابوس فى الثقافة والعلوم والفنون والآداب، والذى عُرف بشغفه وحبه للفنون، وخاصة الموسيقى والغناء، وكان يجيد العزف على أكثر من آلة. قيمة الجائزة تتجاوز 250 ألف دولار، فهى الأكبر عربيًا.. سبق أن فاز فى فروع أخرى لتلك الجائزة من مصر الملحن أمير عبدالمجيد (الموسيقى)، الفنان على الحجار (الطرب)، الكاتب الراحل جلال أمين (الدراسات الاقتصادية).
طلب منى المسؤول السرية الشديدة، ليس فقط قبل بداية أعمال اللجنة، ولكن طوال تواجدى باللجنة، وحتى إعلان النتائج صباح أمس.
التقى الأستاذ حبيب بن محمد الريامى، رئيس المركز، بأعضاء لجان التحكيم وأكد أن اللجنة حرة تمامًا فى اتخاذ القرار.. امتدت المناقشات نحو أربعة أيام، ممنوع التواصل مع أحد خارج اللجنة، ولم يعلم حتى أصدقائى العمانيون أننى كنت فى (مسقط) إلا عند قراءتهم هذا العمود.. أعضاء اللجنة الثلاثة التقوا لأول مرة لحظة انعقاد اللجنة، وهم: (الباحث والناقد السينمائى والشاعر العمانى حبيب عبدالله، والمخرج السويسرى من أصل سورى مانو خليل، وكاتب هذه السطور).. وسريعًا ما اكتشفنا أننا على موجة فكرية واحدة.
لم يحدث- كما علمت- أن الإعلام تمكن طوال عقد من الزمان - عمر تلك الجائزة - من اختراق سور السرية الذى يغلف أعمالها.
فى البداية، هناك لجنة اختيار تتأكد من انطباق الشروط على المرشحين.. ورغم ذلك، من حق أعضاء لجنة التحكيم النهائية مراجعة كل الأسماء، حتى المستبعد منها.. ولو رأت جدارتهم بالتسابق النهائى، يحظر كتابة أسماء من تقدموا للجائزة ولم يحصلوا عليها حتى بعد إعلان النتائج.
أكد الأستاذ حبيب، رئيس المركز، أن الإدارة لا تملك سوى توفير كل ضمانات العدالة.. لجأت اللجنة إلى أسوأ الحلول وأبغض الحلال وهو حجب الجائزة، رفضت اللجنة بإجماع الآراء وجهة النظر الأخرى التى تقضى باختيار أفضل المرشحين، وجدنا أن هذا يتناقض تمامًا مع قيمة الجائزة.
كثيرًا ما يثار هذا السؤال فى المهرجانات والمسابقات: هل نختار فى المطلق أم فى النسبى؟.. أنا أميل أكثر للاختيار فى المطلق. قيمة الجائزة تتأكد، ليس فقط فيمن يمنحها ولكن جدارة من يحصل عليها، ولهذا لا نختار فيما هو فقط بين أيدينا (النسبى)، ولكننا نتطلع للأفضل (المطلق).
هل لا يوجد بين مخرجى السينما فى عالمنا العربى من يستحقها؟.. إجابتى، وبحكم تواجدى فى عشرات المهرجانات العربية والدولية، من الممكن أن أذكر لكم على الأقل 100 مخرج عربى يستحقونها وعن جدارة، ولكن هؤلاء لم يتقدم أحد منهم، ومن تقدم لا يتجاوز عددهم 25 مخرجًا فقط لا غير، ليس بينهم أحد من المائة!.
كانت التوصية بالإجماع؛ أن يتم الإعلان عن فتح باب الترشح فى المسابقات القادمة عن طريق حفل ضخم تنقله الفضائيات، وفى هذه الحالة لن تحجب أبدا الجائزة.. عالمنا العربى زاخرٌ بالموهوبين فى كل المجالات.
هذه ربما رحلتى العاشرة لسلطنة عمان، إلا أنها المرة الأولى التى يتاح لى أن أقترب من معالم هذا البلد العريق، وتجولت فى المتحف والمكتبة ودار الأوبرا والجامع والجامعة والمراكز الثقافية.. وغيرها. كل شىء فى عمان يحمل خصوصيةَ وعبقَ وروحَ هذا البلد.
السلطان الراحل قابوس كانت لديه رؤية عميقة للمستقبل، والسلطان هيثم بن طارق يكمل المسيرة الرائعة ببصمته الخاصة.
منحت الطبيعة (سلطنة عمان) فيضًا من السحر والجمال، لم يكتفِ أهلُها بالمنحة الإلهية، اشتغلوا بأيديهم وقلوبهم وأضافوا مزيدًا من السحر والجمال لهذا البلد الذى تشهد شوارعه بأنه الأنظف فى العالم.
ما إن تغادر (سلطنة عمان) حتى تشعر بالحنين مجددًا للعودة إليها!.