بقلم :طارق الشناوي
اختيار على الحجار لإقامة حفل في قاعة (إيورات) بالجامعة الأمريكية للإعلان عن مشروعه (100 سنة غنا)، في نفس توقيت حفل مدحت صالح بدار (الأوبرا المصرية)، الذي يعلن فيه بداية تنفيذ مشروعه (الأساتذة) ليس عشوائيًّا، لست موقنًا مَن كان صاحب اختيار التاريخ أولًا، هل هو مدحت أم الحجار؟، إلا أنه في كل الأحوال (فيه حاجة غلط) أدت إلى كل تلك المتناقضات.
لم أشاهد حفل الحجار لأننى في نفس التوقيت كنت داخل دار (الأوبرا) المصرية أتابع مدحت، لو كان بإمكانى حضور الحفلتين لفعلتها، ويبقى أن كل شىء مقسوم على اثنين، في هذا الصراع الذي أراه يخصم الكثير من قيمة الفكرة وما ترنو إليه، هناك مَن يتعاطف مع الحجار وهناك مَن يرى أن مدحت هو الأولى، المعالجة للخروج من تلك الأزمة يجب أن تأخذ منحى آخر، وليس الانحياز لفنان دون الآخر.
رسميًّا وليس فقط شعبيًّا، هناك مَن يتعاطف مع الحجار، رغم أن الأوبرا من خلال رئيسها الموسيقار خالد داغر سارعت بإعلان دعمها لمشروع مدحت، وباحتضان وزارة الثقافة له، إلا أن القضية حتى على هذا النحو لم تُحسم، والدليل أن صوت على الحجار الرافض سمعناه جميعًا عبر العديد من الفضائيات. لا أتشكك في صدق ما قاله الحجار، فهو مشروعه قبل 20 عامًا.
ويستشهد بلقاءات متتابعة مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، ثم بعدها بسنوات مع وزير الإعلام الأسبق أنس الفقى، ناهيك عن لقاءات تليفزيونية وأخبار متناثرة هنا وهناك، إلا أن المشروع لا يمكن اعتباره ابتكارًا أو فكرة مستحدثة، وإلا اعتبرنا أن حقوق الملكية الفكرية تعود إلى ورثة الفنانين الراحلين الموسيقار عبدالحليم نويرة، قائد (فرقة الموسيقى العربية)، والمايسترو حسين جنيد، قائد فرقة أم كلثوم.
أي أننا نعود 60 عامًا أو يزيد عندما انطلقت هذه الفرق التراثية وغيرها، تحت رعاية وزارة الثقافة، في غناء روائع الأنغام منذ سلامة حجازى والحامولى والخلعى ومحمد عثمان وسيد درويش وداوود حسنى وغيرهم. المشروع ليس حكرًا على أحد، كما أنه لا يمكن أن يتولاه فنان واحد ليصبح هو العنوان،
المشروع منذ نقطة الانطلاق، كان ينبغى أن تتسع مظلته للجميع، وليس لفنان واحد سواء الحجار أو مدحت.
كان الترقب كبيرًا لحفل مدحت، الذي أُقيم مساء الجمعة، وسُخرت له كل الإمكانيات، إلا أن التسرع بتبكير موعده حال دون إتمام البروفات، شاهدنا على المسرح ارتباكًا في بعض المقاطع، بين الفرقة ومدحت، وكان ذلك واضحًا في أكثر من أغنية مثل: (قولولو الحقيقة) غناء عبدالحليم تلحين كمال الطويل وتأليف مرسى جميل عزيز، بينما تفوق في ثلاث أغنيات (حمال الأسِيّة) غناء فايزة أحمد وتلحين محمد عبدالوهاب وتأليف حسين السيد.
و(ثلاث سلامات) غناء محمد قنديل تلحين محمود الشريف وتأليف مرسى جميل عزيز و(يا جميل ياللى هنا) غناء وتلحين محمد فوزى وكلمات مأمون الشناوى. أبسط القواعد الأدبية أن نرى على المسرح إشارة لكل هؤلاء لأنهم جميعًا أساتذة، تم الاكتفاء فقط بصور الملحنين. ثم ومع أول أغنية (إيه هو ده) نسبوا تلحينها خطأ لمحمد عبدالوهاب، بينما هي لمحمد الموجى، وتأليف مرسى جميل عزيز، كما أن مسرح الأوبرا كان فقيرًا بلا أي رؤية إخراجية جمالية.
الفكرة قطعًا تستحق الدعم، خاصة في بُعدها العربى لأنها تشمل سراج عمر (السعودية) وعبدالحميد السيد (الكويت) والأخوين رحبانى (عاصى ومنصور) (لبنان) وغيرهم. يجب أيضًا أن تتسع الرؤية، فأنا لا أتصور هذا المشروع بدون أصوات محمد عبده وكاظم الساهر وعلى الحجار وأنغام وإليسا ونانسى عجرم وشيرين وراغب علامة وغيرهم.
أتمنى- بعد أن تلتقط دار الأوبرا أنفاسها- أن تُعيد تقييم الفكرة بكل تفاصيلها، الهدف هو الحفاظ على الوجدان من خلال تقديم أغانينا عبر الزمن برؤية عصرية، المطلوب فقط قدر من المرونة لتتسع مظلة الأوبرا للجميع، برؤية جمالية وفكرية ناضجة، تليق حقًّا بالأساتذة!!.