جميل أن أقرأ هذه الأرقام المتصاعدة التى حققها فيلم (أبونسب) للمخرج رامى إمام، فى عز حالة البرودة التى فرضها المناخ الجوى والنفسى، الذى نعيشه بكل تنويعاته، وهى حجة يتم إعلانها مع كل فيلم يفشل فى الوصول لمشاعر الناس، بينما الحقيقة أن الشريط السينمائى أخفق فى قراءة الجمهور ولم يجد سوى أن يعلق فشله على الناس والحالة المزاجية.
الفيلم كشريط سينمائى لا يملك طموحا فنيًا، ولكنه يطيل النظر فى ورقة (اللى جنبه)؛ أقصد التراث السينمائى، يسطو على جملة هنا أو موقف هناك، ولا بأس من إضافة لمحة أو كلمة (روشة) عصرية تنتمى لهذا الزمن، ليشعرك أن الطبخة طازجة
الكاتب أيمن وتار.. تعجبنى إطلالته التلقائية على الشاشة كممثل صادق وفطرى وفاهم كيف يصنع (الإيفيه) الضاحك بلا ادعاء ولا فذلكة، لا يملك براءة اختراع ولا خصوصية، ولكنه يكرر المقرر السينمائى بلمحة تنتمى لهذا الزمن، يلعب فى تلك المساحة التى تجنبه الاحتكاك بأى قضية اجتماعية أو سياسية.
السينما المصرية حاليًا لن تتحمل أى جدية، الرقابة لا تسمح، حتى هذا الفيلم الذى يسير، ليس فقط بجوار الحائط ولكن داخل الحائط، توجس رقيبنا الهمام كعادته وقرر التصريح بالفيلم (+ 12)، تحسبا لأى صوت غاضب ربما يعترض لمجرد أن الفيلم ينطلق من (ليلة الدخلة)، وهو غالبا ما دفع الرقيب لهذا القرار، رغم أنه لا يوجد ولا حتى إيحاء من بعيد لبعيد بأى شىء، ولكن هذا هو قَدَرنا مع رقابتنا الميمونة وشعارها الدائم (النفخ فى الزبادى). يقدم موقفا تابعناه فى عشرات الأفلام، ليلة الدخلة بين الشاب المتعطش لمن تمناها وناقص ع الحلو دقة، بينما تتدخل عوامل متعددة تحول دون تحقيق تلك الخطوة.
المخرج رامى إمام صاحب الرصيد الأكبر فى مسلسلات عادل، أفضل أفلامه حتى الآن (غبى منه فيه) بطولة هانى رمزى، سبق له إخراج فيلم (حسن ومرقص) بطولة عادل وعمر الشريف، وشارك محمد فى دور رئيسى، وتلك هى المرة التى يقدم فيها فيلما بطولة محمد إمام.
محمد صعد اسمه كنجم شباك، له رقم فى التوزيع وأيضا فى الشباك، كما أنه حقق نجاحا مماثلا فى المسلسلات كورقة مضمونة يتم الرهان عليها، حتى الآن لا أزال أرى عادل أمامى فى الكثير من تفاصيل الأداء، والأمر محير جدا، عادل الإنسان الذى يمنح جيناته لأبنائه ليس هو عادل الممثل، عادل ممثل صاحب (استايل) خاصا به، يوظف لحظات الصمت بأسلوب غير مسبوق، يقدم اللمحة الكوميدية بقدرٍ متناهٍ من الهدوء، وكأنه يهمس ولا يقصد، محققا قفزاته من خلال تلك النبرة الخاصة التى ارتبطت بها، وهى قطعا لا تورث.
كثيرا ما يطل علىَّ عادل وأنا أشاهد محمد، مع الأخذ فى الاعتبار خضوعنا لعلم الوراثة، إلا أننى ألمح قدرا من التطابق المقصود.. مؤكد جمهور سينما هذه الأيام، أعنى به جيل (زد)، ليس لديهم نفس الرصيد مما يحفظ جيلى فى ذاكرته من عادل إمام، ولهذا ربما يرى فى محمد إمام حالة خاصة ومختلفة ليس لها كل هذا التطابق مع عادل إمام الأب. فى كل الأحوال، كان محمد إمام فى التليفزيون والسينما يحرص فى السنوات الأخيرة على تقديم الشاب قوى البنية مفتول العضلات، واشتغل كثيرا على جسده لتحقيق ذلك فى المسلسلات والأفلام، لأن الجمهور كان متعطشا لهذا النوع، بينما هذه المرة رأينا البطل بـ(كرش)، فهو يغير مفتاح التعاطى مع الشخصية طبقا لما تفرضه.. صحيح الإطار به جرعة لا تنكر من الأكشن، ولكن البطل ليس هو (الهيرو) رجل المستحيل، فهو يؤدى دور طبيب أطفال، انتقلت إليه أيضا فى لمحات عديدة روح الطفل فى التعامل مع جميع الخصوم.
رمانة الميزان هو ماجد الكدوانى، الذى يؤدى دور رجل العصابة الخارج عن القانون، والذى يملك العديد من المفاتيح التى تضع الكثير من الأوراق بين يديه ليصبح هو الأقوى، ويستمر السيناريو فى التصاعد حتى نصل قبل النهاية إلى خروج شقيق ياسمين صبرى «شيكو» من السجن، لنبدأ صفحة جديدة من المعاناة، كانت تلك هى الذروة الدرامية، التى تركها الكاتب لخيال المتفرج حتى تكمل أنت باقى الأحداث بعد نهاية الفيلم. لم ينس السيناريو فى العديد من المشاهد أن يذكّرنا بفيلم سعاد حسنى وشكرى سرحان وعدلى كاسب (السفيرة عزيزة) للمخرج طلبة رضوان، عندما كانت تنتظر سعاد من شكرى أن يدخل فى معركة مع أخيها الجزار الشرس حتى يثبت لها أنه قادر على حمايتها.
محمد إمام قطعًا يتقدم خطوات كنجم جماهيرى له شباك وجمهور ينتظره.. حالة عادل إمام التى تسيطر عليه لا تعتبر استثناء، هناك آخرون يعيشون الحالة، مع اعترافى بأن هذا الإحساس ربما يعتبر ورقة قوة وليست ضعفا عند قطاع من الجمهور.
ياسمين صبرى أحلى وجه نسائى أطل على الشاشتين فى السنوات العشر الأخيرة، ولكن فن الأداء يظل قضية أخرى، حاضرة كامرأة جميلة غائبة كممثلة، تشعرنى وهى تؤدى الحوار بأنها (حافظة مش فاهمة).
ماجد الكدوانى أدى دور الأب بجدية تتطلبها الشخصية، معبرًا ببراعة عن الضعف العاطفى تجاه ابنته، ويبقى العديد من الشخصيات الأخرى أمثال: صلاح عبدالله ووفاء عامر وهالة فاخر ومحمد لطفى، ينطبق عليهم توصيف حضور بطعم الغياب.
رامى إمام لم يضِف كثيرًا بلمحات إخراجية على الحالة الكوميدية للفيلم على مستوى الرؤيتين البصرية والسمعية.. قدم فيلمه على الطريقة الشرعية، باستثناء استخدامه الجيد للموسيقى التصويرية لخالد حماد.
من حق رامى علينا أن نذكر أنه نجح فى الوصول للجمهور، والدليل انقشاع البرودة من دور العرض، رغم إخفاق العديد من الأفلام الأخرى فى قراءة شفرة الجمهور، مع ادعاء البعض تقديم أفلام تجارية ولكن الأرقام أبدا لم تكن فى صالحهم، فلا هى أفلام ولا هى تجارية. (أبونسب) فيلم به العديد من وشائج القربى والنسب لتراثنا السينمائى، مع مذاق به (روشنة)، ليجد نفسه على موجة هذا الجيل!.