بقلم: طارق الشناوي
لو راجعت الأوراق الرسمية لجمعية المؤلفين والملحنين، وتأملت الأرقام التى تحققها الأغنيات والتى يطلق عليها (حق الأداء العلنى)، حيث إن الأغنية التى يتم تداولها، يتم تحصيل نسبة محددة من حق إذاعتها لصالح المؤلف والملحن، ستكتشف أن الموسيقار بليغ بنحو 1500 لحن يحتل المركز الأول على مدى 40 عاما، منها 30 بعد رحيله، ولايزال الأول بالأرقام.
بليغ ينطبق عليه توصيف الغزارة، لو أنك قارنته مثلا بموسيقار عبقرى يكبر بليغ بنحو ثمانية أعوام، أقصد كمال الطويل، لم يتجاوز عدد ألحان الطويل 500 لحن، إلا أن الموسيقار محمد الموجى تجاوز 1800 لحن.
ذكر الأرقام هنا ليس مجانيا، لكنها تشير إلى شىء أبعد، وهو أن بليغ رغم أنه ليس الأغزر، إلا أنه هو الأكثر تداولا فى (الميديا)، ولهذا يحصل ورثة بليغ على القسط الأكبر من الأداء العلنى، بين كل الملحنين الكبار. الإيرادات التى يحققها بليغ أكثر من تلك التى ينالها ورثة الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وألحانه، أقصد عبدالوهاب، بالمناسبة لم تتجاوز رقم ألف.
حظى الموسيقار محمد عبدالوهاب بعدة ألقاب، ظلت تلازمه طوال تاريخه بداية من (بلبل مصر)، الذى كان يطلق فى البداية على مطرب سبقه ببضع سنوات الشيخ حامد مرسى، الذى غنى لسيد درويش (زورونى كل سنة مرة) وغيرها، لكن مع بزوغ نجومية عبدالوهاب فى نهاية العشرينيات صار هو (البلبل)، وتوارى حامد مرسى، وتتابعت الألقاب مثل (مطرب الأمراء) ثم (مطرب الملوك والأمراء) ثم (موسيقار الجيل) وعندما امتد به العمر صار (موسيقار الجيلين)، وعندما لحق بالجيل الثالث أصبح (موسيقار الأجيال).
ظل هذا اللقب لصيقا به حتى رحيله، بينما بليغ حمدى أطلق عليه الشاعر الكبير كامل الشناوى لقب (أمل مصر فى الموسيقى)، وذلك منذ نهاية الخمسينيات، وعلى المسرح مطلع السبعينيات، أعاد عبدالحليم حافظ ترديد اللقب، فى أحد الحفلات وهو يقدمه للجمهور، ولم يشر إلى قائلها الأول، فصارت ملازمة له، ومنسوبة أيضا فى نفس الوقت لعبدالحليم، مما أثار قطعا حفيظة الموسيقار محمد الموجى، الذى يعتبر نفسه، وتلك حقيقة، له نصيب أكبر من بليغ، فى مشروع عبدالحليم الغنائى.
بليغ هناك من يداعبه قائلا (بلبل الموسيقى)، لأنه الأكثر تلونا وحميمية وفطرية بين الملحنين.
لا تستطيع وأنت مطمئن أن تضع ترتيبا بين الملحنين، حتى لو كان عدد من الكبار يضعون الموجى فى مرتبة أعلى من بليغ، مثل سليم سحاب وهانى شنودة، الأمر بالنسبة لى ليس أبدا بتلك السهولة والبساطة، ومن الصعب تحديده بدقة.
ظل عبدالوهاب فى مكانة استثنائية، ملاصقا له لقب (موسيقار الأجيال)، وفى حياة عبدالوهاب لم يعترض بليغ أو الموجى أو الطويل على هذا اللقب، وبعد رحيله أيضا، لم أقرأ أن أيا من الثلاثة الكبار قال لا أوافق.. الآن أتابع هذا الصوت الرافض على (السوشيال ميديا) قائلا: (بليغ حمدى موسيقار الأجيال الحقيقى).
لا أحد ينكر إنجاز بليغ، كما أن الزمن بالأرقام شهد لصالح ألحانه، إلا أن مكانة عبدالوهاب الأدبية (موسيقار الأجيال) تشهد له بالأستاذية، ومن المستحيل أن ينازعه أحد.
عبدالوهاب هو رائد المدرسة الحديثة فى التلحين بعد أستاذه الشيخ سيد درويش، العمر الزمنى الطويل لعبدالوهاب نحو 90 عاما منحه الفرصة لكى يضع بصمته الخاصة على العديد من الأصوات، كما أنه امتلك الجرأة على التنوع، ظل، وحتى اللحظات الأخيرة، محتفظا بقدرته على المغامرة الموسيقية.
بليغ يليق عليه توصيف (أمل مصر فى الموسيقى)، بينما (موسيقار الأجيال) كان ولايزال هو عبدالوهاب