كيف لم يلاحظ كل من الموسيقار خالد داغر، رئيس دار الأوبرا، والمايسترو هانى فرحات، رئيس مهرجان الموسيقى العربية، أننا هذا العام نحتفل بمئوية كل من العملاقين «محمد الموجى» و«كمال الطويل»، 100 عام على ميلاد العبقريتين، لا يمكن أن تمر ببساطة على مهرجان عمره 32 سنة يرفع شعار الموسيقى العربية.
فى عقد الخمسينيات، بزغت نجومية الكبيرين معًا، وقدما للمكتبة الغنائية الأروع والأحلى، ثالثهما هو عبدالحليم حافظ.
قطعًا، تنوع عطاء كل منهما لكل المطربين فى ذلك الزمن، تميز الموجى بالغزارة، أكثر من 1800 لحن معتمد فى جمعية المؤلفين والملحنين، بينما الطويل 400 ربما تجاوزها فقط بأربعين لحنًا، إلا أن كلًّا منهما حفر قطعًا اسمه فى وجدان العالم العربى.
هذه الدورة تحتفى بمئوية رحيل سيد درويش، وهو الأب الشرعى للموسيقى الحديثة التى خرج من معطفها الموجى والطويل، ولكن يبقى أن لدينا حدثًا لن يتكرر وهو ميلاد عملاقين استطاعا أن يمسكا بوميض النور طوال عقود من الزمان، لم يمنعهما وجود طاقة من الضوء لها إشعاع الشمس وهو الموسيقار محمد عبدالوهاب.
فى العام الماضى، احتفل مهرجان الموسيقى بمئوية أحد فرسان تلك المرحلة، «المايسترو على إسماعيل».. ولهذا من البديهى أن يتوقف المهرجان أمام 100 عام على ميلاد «الطويل» و«الموجى».
المهرجان ينطلق يوم 20 أكتوبر، وهى كما ترى فترة زمنية محدودة.. ورغم ذلك، فلا أتصور أن إشارة فى الافتتاح وتكريمًا عن مجمل أعمال كل منهما تتخلله معزوفة تحوى أشهر الجمل لكل منهما تحتاج لإتقانها أكثر من أسبوع.
يجب أن نضيف إلى احتفالاتنا ثقافة المئوية، رغم أننا نادرا ما نتوقف عندها.
قبل بضعة أيام، ذكرت فى تلك المساحة كيف أننا لم نحتفل بمئوية الموسيقار محمد فوزى، التى حلت 2018، بينما دولة الجزائر الشقيقة ممثلة فى الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة منحته فى هذه المناسبة أرفع الأوسمة.
توافق مئوية الطويل والموجى يدفعنا للبحث عن المشترك، وأيضًا المختلف بينهما.
من التفاصيل التى تشير إلى الصداقة أنهما استأجرا معًا مكتبًا بجوار مبنى الإذاعة القديم ومعهد الموسيقى، وكل منهما كان يُسمِع الآخر اللحن وهو لا يزال فى مرحلة البناء، ومن الممكن أن يتبادلا أيضا الملاحظات.
تقريبًا، كل المطربين الكبار فى تلك السنوات قدم لهم الثنائى الألحان «نجاة وصباح وفايزة وشادية.. وغيرهن»، إلا أن أعمق علاقة هى تلك التى جمعتهما مع عبدالحليم حافظ. الموجى تعامل مع عبدالحليم بروح الأخ، بينما كان الطويل لديه مشاعر أبوة.
الموجى خلافاته تصل إلى حد التشنيع والهجوم على صفحات الجرائد وأثير الهواء فى الإذاعة والتليفزيون، بينما الطويل عندما يغضب يكتفى بالانسحاب.
الموجى بين الحين والآخر يقدم للساحة مطربًا حتى تصل الرسالة لعبدالحليم بأنه قادر على أن يمنح لحنًا ناجحًا لمطرب قد يشكل خطورة محتملة على (حليم).. وهكذا قدم للساحة تباعًا كمال حسنى ومحرم فؤاد وأحمد سامى وعبداللطيف التلبانى وماهر العطار، وصولا لهانى شاكر.
بينما الطويل لم يكن يحبذ فى وجود عبدالحليم التلحين لأصوات الرجال إلا قليلًا، حتى إنه لم يلحن أبدًا لمحرم فؤاد ولم يتعاون مع محمد رشدى رغم إعجابه بصوته إلا بعد رحيل عبدالحليم.
المشترك والمختلف بين الموجى والطويل من الممكن أن يصبح أحد المحاور التى يتم التوقف عندها فى المئوية من خلال ندوة تقام على هامش المهرجان.
لا أتصور أن يقيم بلدى مهرجانًا للموسيقى العربية وتحل مئوية الموجى والطويل، ثم نقلب الصفحة وكأن شيئًا لم يكن.. حقيقى لا أتصور!.