بقلم - طارق الشناوي
ربما لا تتجاوز عدد الأفلام العربية الطويلة التى تم إنتاجها هذا العام نحو 100، بينها على الأقل 10 أفلام تتنافس لانتزاع جائزة الأفضل التى تعلن فى مهرجان (مالمو) مساء السبت القادم. أوضح المخرج خيرى بشارة رئيس لجنة التحكيم أن الصراع بالفعل هذه المرة بين الجميل والأجمل، حرص رئيس ومؤسس المهرجان المخرج محمد قبلاوى على أن ينتقى للمهرجان أفضل الأفلام العربية، التى عرضت فى العام الماضى، ولم تكتف بهذا القدر فقط، بل حصدت أيضا الجوائز، وهو ما يفعله المهرجان العريق لندن، والذى يعرض الأفلام الفائزة فى المهرجانات الكبرى، ليصبح هو مهرجان المهرجانات، وهو ما يسعى لتحقيقه فى هذه الدورة على مستوى السينما العربية مهرجان (مالمو).
الجرح غائر، والدماء الفلسطينية تراق بكل صفاقة من الإسرائيليين، والمدينة الباسلة (غزة) تشهد أن إسرائيل لا ترتوى أبدا مهما أوغلت فى الانتقام فهى تبحث عن المزيد، وجاء فيلم (الأستاذ) أول عمل فنى طويل للمخرجة ليلى الطرابلسى شاهدا على ذلك.
تابع التاريخ ستكتشف أنه مها بلغ العداء والدماء ترفع فى النهاية راية السلام، مع إسرائيل لا يوجد أبدا سلام، إنهم يتنفسون القتل والدمار، لا يدركون أن ما يبدو ظاهريا ضعيفا ولا حول له ولا قوة، فى لحظة يمتلك كل أدوات القوة للانتقام. الفيلم الفلسطينى يؤكد أن ما نعايشه فى غزة الجريحة هو ما كان ولا يزال يجرى فى أى مكان بفلسطين، سواء كنت عربيا وتعيش فى رام الله حيث السلطة الفلسطينية أو تل أبيب وتحمل الهوية الإسرائيلية، فأنت ستظل بالنسبة للمتطرفين الإسرائيليين هدفا.
الفيلم يفضح الممارسات الإسرائيلية وشعار العدالة الذى تطلقه إسرائيل للعالم على اعتبار أنها دولة يحكمها القانون، وتريد العيش فى سلام، بينما العرب فى الداخل والخارج يريدون بها شرا، المخرجة فرح نابلسى أرادت أن تقدم حكاية إنسان يعيش الظلم، ولكن لأن البطل فلسطينى، والاحتلال الصهيونى يمسك بقبضة من حديد على كل التفاصيل، يتعانق فى كل لقطة الثأر العام والخاص، وتتشابك السياسة مع مفردات الحياة، ويعلو صوت الانتقام، ليصبح هو الحل فى ظل غياب القانون، وانتحار مبادئ حقوق الإنسان.
صالح بكرى أحمد أهم نجوم السينما العربية الذين اقتحموا المجال العالمى، يؤدى دور مدرس لغة إنجليزية ومن هنا جاء عنوان الفيلم (الأستاذ)، كمهنة يمارسها الأب وأيضا كمعنى، فهو المعلم، واختيار الإنجليزية تحديدا، تعنى ضمنا الرغبة فى وصول رسالة البطل للعالم.
البطل صالح بكرى ابنه المراهق اعتقل لأنه شارك فى مظاهرة، يقرر وكأننا نستعيد أحداث 7 أكتوبر فى غزة أن يأخذ رهينة إسرائيليا حتى يتم الإفراج عن ابنه، ويقتل أحد الفلسطنين وهويدافع عن بيته وعن شجرة الزيتزن، ونرى التواطيء، مع القضاء من أجل افلات القاتل الإسرائيلى من العقوبة، وهو ما يثير تعاطفك الوجدانى مع الانتقام الشخصى كحل حتمى، القصة مكررة لأن إسرائيل تكرر المذبحة طوال ثمانية عقود من الزمان.
السيناريو الذى كتبته المخرجة، يترك لك مساحات، ترى على الشاشة المستوطنات، الأم المكلومة التى يقتل ابنها بين يديها، الجنود الإسرائيليون المدججون بالسلاح، البيوت المهدمة، حرائق الزيتون التى يشعلها الحقد الإسرائيلى، الأب الفلسطينى الحزين على اعتقال ابنه، والأب الإسرائيلى، الذى لا يدرى كيف يعيد إلى حضنه ابنه المخطوف.
وناشطة بريطانية وكأنها معادلة موضوعية لوجهة نظر العالم فيما يجرى من غياب للقانون وحضور للدموية والتوحش ـ وجملة حوار عابرة يقولها بطل الفيلم صالح بكرى للأب الإسرائيلى الذى اختطف ابنه (لا يمكن مقارنة ابنك بابنى، ابنك عند العالم يساوى ألفا من ابنى). وتلك هى المـأساة منذ نكبة 48 ولاتزال فى غزة بعد مذابح 7 أكتوبر، الإسرائيلى عند العالم يساوى ألف فلسطينى!!.