بقلم : زاهي حواس
سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى شهر أغسطس الماضى وتنقلت بين العديد من المدن؛ وذلك لإلقاء محاضرات فى مدينتين وعمل لقاءات تليفزيونية فى مدن أخرى تناولت العديد من الموضوعات عن الحضارة المصرية القديمة. كانت مدينة نيويورك هى محطتى الأولى التى وصلت إليها ولم أكن قد زرتها منذ أكثر من عشر سنوات، ووجدت أن هناك آلافا من المهاجرين قد استقروا بالمدينة. وقام عمدة نيويورك بتجهيز أربعة فنادق لإقامتهم وعندما اشتكوا من الطعام قررت المدينة صرف ألف دولار شهريًا لكل مهاجر لحين ترتيب وضعهم القانونى. وكان من الآثار السيئة للهجرة العشوائية انتشار الجريمة فى المدينة التى كانت تعانى أصلًا من ارتفاع معدلاتها، بل وأصبح الشراء من المحلات صعبا بعد أن أغلقت واجهاتها وفتارين العرض بها بالأقفال التى لا تفتح إلا فى وجود أفراد أمن. وقد التقيت خلال هذه الرحلة بصديقى الملياردير أنكر جين وزوجته إيريكا اللذين تزوجا أمام أبو الهول منذ شهور وقاما بدعوة حوالى ١٥٠ رجل أعمال لزيارة مصر وحضور مراسم الزواج الذى عقد داخل قصر الأمير محمد على، والمتحف المصرى الكبير ومنطقة أهرامات الجيزة، وانتهت مراسم الزواج بحفل فى قصر جزيرة الدهب. قابلت العديد منهم وأقاموا لى حفلة عشاء داخل مطعم خاص باسم زى زى، ومن الغريب أن القاعة التى تناولت فيها العشاء كان يجاورنا فيها المغنية الشهيرة بيونسى، وقلت لهما إننى لا أرغب فى مقابلتها لأن الحادثة التى حدثت معى عام ٢٠١٠ مازال لها أصداء إلى الآن. وقصصت ما وقع معها عندما جاءت إلى مصر لتغنى فى الغردقة وطلبت من وزير السياحة فى ذلك الوقت أن تقابلنى واتفق معى على المقابلة وجاءت متأخرة عن موعدها ترتدى ملابس كيلوباترا، ومعها حارس خاص ومصور، وكان معى مصورة أمريكية من تلاميذى وبدأت أتحدث معها عن الآثار وقمت بتوقيع كتاب لها كهدية، وقام مصور بيونسى بالتصوير ثم جاءت جينيفر المصورة الخاصة بى لالتقاط صورة وفجأة انقض عليها الحارس الضخم وأطاح بالكاميرا على الأرض بل ودفع المصورة بطريقة مهينة!، ولم تحاول بيونسى أن تتدخل، لذلك ناديت على الحراس وقمت بطردهم جميعًا من أمام أبو الهول.
وخلال وجودى فى نيويورك قمت بتسجيل برنامج تليفزيونى لإحدى القنوات الخاصة عن توت عنخ آمون داخل استديو فى بروكلين، وشاهدت مسرحية علاء الدين الموسيقية التى تعرض فى برودواى منذ عشر سنوات. وخلال وجودى فى نيويورك طلبت من صديقى المصرى هانى فهمى الذى يعيش فى أمريكا منذ مدة طويلة أن يذهب معى لمشاهدة تمثال الحرية لأننى أحب هذا المكان، ومن الحقائق الغريبة أن مصر مرتبطة بتمثال الحرية، ضمن الحقائق غير المعروفة على نطاق واسع. فلولا إفلاس الخديو إسماعيل لما امتلكت أمريكا تمثال الحرية، فقد صمم النحات الفرنسى فردريك بارتولودى التمثال فى الأساس على هيئة فلاحة مصرية تحمل مشعل النور لتهدى السفن القادمة من الشمال، وكان من المخطط إقامة الثمثال فى بورسعيد عند المدخل الشمالى لقناة السويس ولكن ارتفاع النفقات جعل الخديو إسماعيل يرفض المشروع الذى تم عمل التعديلات عليه وينتهى إلى وضعه فى موضعه بأمريكا كرمز للحرية.
وخلال رحلتى فى مدن نيويورك وكنتاكى وناشفيل بولاية لوس أنجلوس، لم يكن هناك حديث غير موضوع الانتخابات الأمريكية، وقد وجدت أن الغالبية ممن قابلتهم يؤيدون كامالا هاريس؛ بينما ترامب مستمر فى إلقاء نكاته الغريبة فى جولاته الانتخابية؛ فيقول تارة «أنا أجمل منها» يقصد كامالا!، وتارة أخرى يقول إنه أذكى منها!. إن من عيوب ترامب أنه يثرثر كثيرًا ولا يقدم رؤية أو منهجا سوى استخدام قوة أمريكا لفرض سيطرتها على العالم فقط من مبدأ القوة والتخويف وكأنه فتوة، لذلك يتخوف الأمريكان من التحول إلى الحكم الديكتاتورى فى حال نجاحه فى الانتخابات القادمة على الرغم من أن استطلاعات الرأى تشير إلى تفوق كامالا بأربع نقاط فقط لا تضمن نجاحها ضد ترامب الذى يعارضه ليس فقط الديمقراطيون ولكن نسبة لا بأس بها من الجمهوريين أيضًا.
قابلت دينا باول أو دينا أنس المصرية الأصول التى عملت فى إدارة جورج بوش وكانت تختار الوزراء، وبعد ذلك عملت مع ترامب لكنها اعتذرت بل ولم تقبل منصب سفير أمريكا فى الأمم المتحدة. وهى لا تحب ترامب شخصيًا ولكنها تقول إن ترامب هو أنسب لأمريكا الآن. ويخوض زوجها ديفيد باول الانتخابات فى ولاية بنسلفانيا للفوز بمنصب سيناتور. وقال لى زعيم الأغلبية الجمهورى السابق بل فريست إنه يتوقع أن يكون زوج دينا باول رئيسًا لأمريكا ممثلًا للحزب الجمهورى.
سافرت إلى مدينة صغيرة بولاية كنتاكى تعرف باسم بولينج جرين وبها أهم مكتبة عامة فى أمريكا وتقوم المكتبة كل عام بدعوتى لإلقاء محاضرة عامة لأهالى المدينة، بل ويقومون بدعوة العديد من المواطنين بالمدن الأخرى لأن هذه المحاضرة الوحيدة التى ألقيها فى أمريكا حيث الدخول بالمجان، لذلك يصل عدد الحاضرين إلى حوالى ٢٠٠٠ شخص داخل أكبر دار سينما بالمدينة. ويقوم المسؤولون عن تنظيم المحاضرة بنشر الدعاية والإعلانات فى كل أنحاء المدينة. ومن بولنج جرين سافرت إلى مدينة ناشفيل بلد الموسيقى والفن حيث تسمع الموسيقى فى الشوارع والمنازل والمطار. البلد كله يغنى ويرقص وكأنهم فى دنيا غير التى نعيشها. ذهبت إلى هناك بدعوة من كورديا هارينجتون وهى من الشخصيات العامة بالمدينة وسوف تحضر إلى مصر ومعها عشرة من الأثرياء بطائرة خاصة لزيارة القاهرة والهند والعديد من الدول الأخرى. وجاءت الدعوة أيضا من بيل فرست وهو سيناتور سابق وكان زعيم الأغلبية الجمهورى فى الكونجرس الأمريكى فى عهد جورج بوش وبيل كلينتون ويعتبر من أشهر السياسيين بتاريخ أمريكا. ويعيش حاليا فى مقاطعة بجوار ناشفيل داخلها الخيول بل يقوم بالإشراف على عمل متحف خاص داخل المقاطعة.
وفى أول يوم أقام حفل غداء على شرف قدومى إلى المدينة ودعا إليه العديد من الشخصيات فى عالم الآثار والثقافة. وكان الحديث عن اختلاف قوانين الآثار فى مصر وأمريكا، وكذلك عن أحدث ما تقوم به مصر فى مجال تطوير متاحفها ومناطقها الأثرية، وفى المساء حضرت حفل عشاء كان به السيناتور وزوجته وكذلك دكتور سيدنى مكافى رئيس جامعة ولاية تنيسى الوسطى. وفى اليوم التالى زرت الجامعة والتى تقع على مساحة شاسعة من الأرض ويوجد بها كل الدراسات العلمية حتى درجة الدكتوراه. وقمت بعمل جولة بالجامعة بصحبة رئيس الجامعة الذى يشرف عليها منذ ٢٢ سنة، وتقوم الدولة بالصرف على الجامعة وتخصص لها أموالا طائلة حيث تقدم الجامعة العديد من المنح الدراسية ولهم علاقة علمية بالجامعة الأمريكية فى مصر. وأهم ما شاهدته فى الجامعة والمكتبة - التى يوجد بها الإمكانيات لكى يستعملها كل الطلاب - أرشيف إلكترونى يحتوى على كل أنواع المصادر العلمية المنشورة بكل لغات العالم. وكان رئيس الجامعة يجلس بجانبى على عربة صغيرة، وقد شاهدت حب الطلاب له واستقبالهم له فى كل مكان نذهب إليه. وبعد ذلك أقام لى حفل عشاء حضره نواب رئيس الجامعة والعمداء وتحدثت معهم لمدة ١٥ دقيقة وخاصة عن عشقى للآثار وسبب هذا العشق وكذلك عن الاكتشافات الأثرية فى مصر وأهم ما قلته هو أن مصر بلد آمن يرحب بكل زائر.
أما عن لوس أنجلوس فلقد سافرت إليها للقاء العديد من رؤساء محطات التليفزيون وكان هدفى هو تشجيعهم على عمل أفلام عن مصر. وعلى مأدبة عشاء نظمتها محامية ديزنى الشهيرة أدينا، التقيت بالعديد من مخرجى السينما والفنانين ومنهم الفنانة الشهيرة جاكلين بيست. وفى آخر الرحلة قمت بالذهاب إلى مدينة سانتا أنا وذلك لإلقاء محاضرة بمتحف باورز وكانت المحاضرة خلال النهار حيث بيعت تذاكر المحاضرة بالكامل وقاموا بوضع حوالى ٥٠٠ مقعد فى الصالة لكى يتمكن الكثيرون من الحضور من خلال شاشة تليفزيونية عملاقة. وخلال هذه المحاضرة تحدثت عن العديد من الاكتشافات الأثرية التى لم تعلن بعد ثم جاءت فترة الأسئلة وكان أغلبها عن الأمان فى مصر. لذلك أرى ضرورة أن تقوم هيئة تنشيط السياحة بعمل قوافل مصرية من العاملين فى شركات السياحة والفنادق ووزارة السياحة والآثار لكى تجوب أمريكا وتكشف حقيقة أن مصر بلد الأمن والأمان. ولكن لا بد أن تكون هناك شركة داخلية تعد لهم لقاءات مع شركات السياحة الأمريكية التى تروج للسفر لمصر، وبعد ذلك عمل لقاءات مع التليفزيون والصحافة وترتيب محاضرات عن الآثار. كل هذا يحتاج إلى تنظيم دقيق وإعلان لأن المواطن الأمريكى يجب أن يسمع من المصريين عما يحدث فى مصر وليس عن طريق الإعلانات فى الصحف والـ«سى إن إن».
كان لهذه الرحلة المرهقة مذاق خاص ولكن أهم شىء هو أننى أجد أن اسم مصر وتاريخ مصر داخل قلوب كل من قابلتهم وأعتقد أن الشعب الأمريكى يأتى على قمة شعوب العالم التى تعشق مصر.