لا يزال فراعنة مصر العظام يغزون العالم بأسره بما قدموه للإنسانية من حضارة عظيمة ضربت بسهم وافر فى كافة مجالات العلم والحياة. سيظل الناس فى كل بلد يتحدثون عن معجزة الهرم الأكبر وأبوالهول وكنوز توت عنخ آمون!، ولو سألت طفلا صغيرا فى أى دولة عما يعرفه عن مصر فسوف يقص عليك قصة الفرعون الذهبى توت عنخ آمون!. ورغم أن هناك حكايات وقصصا عن الفراعنة ليس لها أساس من الصحة إلا أنها لا تخيفنى ولن تستطيع أن تنال من عظمة الحضارة المصرية القديمة، طالما نقف للرد على هذه الشائعات والأكاذيب، مثلما قيل عن الهرم وأن من بنوه هم الذين هبطوا من السماء أو الفضاء (النجميون)!، بالطبع تلك تخاريف ممن استكثروا على المصريين أن ينسب لهم هذا الإعجاز الهندسى والمعمارى.
سافرت إلى اليابان فى الشهر الماضى لحضور المؤتمر الصحفى الذى عقد بخصوص الإعلان عن وصول معرض الملك رمسيس الثانى إلى مدينة طوكيو باليابان فى مارس 2025، وبعد أن يعرض هناك لمدة ستة أشهر فمن المحتمل أن يعرض فى مدينة أوساكا اليابانية، ومن بعدها يسافر إلى سنغافورة. وهذا المعرض يخص الملك رمسيس الثانى الملقب بـ «ملك ملوك الفراعنة» فهو أشهر ملك مصرى، رغم أن البعض قد يقول بأن توت عنخ آمون هو رقم واحد ورمسيس الثانى هو رقم اثنين فى الشهرة!، لكن الحق أن رمسيس الثانى حكم ما يقرب من 66 عامًا، وشارك فى الحكم مع أبيه الملك سيتى الأول واكتسب الخبرة السياسية، وقد أمضى شبابه فى العاصمة منف كضابط فى الجيش المصرى وولى العهد. كما عمّر واستقر فى «بر- رعمسو» وهى العاصمة الجديدة التى أسسها جده الملك رمسيس الأول. وقد تم الكشف عن موقع العاصمة مؤخرا بمنطقة القنطرة بعد أن كان البعض يعتقد من قبل أن تانيس هى عاصمة الملك رمسيس الثانى وذلك للعثور على العديد من التماثيل والمسلات بصان الحجر؛ الأمر الذى جعل الكثيرين يعتقدون أن تانيس هى بر- رعمسو العاصمة. ولكن الأبحاث الأثرية الجديدة أكدت وجود المدينة فى القنطرة، وأن الآثار فى تانيس قد نقلت إليها عبر العصور.
كان رمسيس الثانى مهتما بعائلته، تزوج ثمانى ملكات؛ أهمهن والأقرب إلى قلبه هى الملكة نفرتارى، التى بنى لها معبدًا فى أبوسمبل بجوار معبده. كما نحت لها مقبرة رائعة فى وادى الملكات، هى أجمل مقبرة لملكة من العالم القديم، وأعظم ما قدمه الفنان المصرى القديم.
كان رمسيس الثانى محاربًا شجاعًا رغم أن العديد من العلماء يعتقدون أنه لم ينتصر فى موقعة قادش الشهيرة التى خاضها ضد الحيثيين!، لكن المصادر الحديثة تشير إلى أنه بالفعل انتصر فى هذه المعركة. وقد اهتم رمسيس بتسجيل ذكرى أحداث معركة قادش على معابده، ومن ضمن فصول المعركة تعرضه للخداع عن طريق جاسوسين من الجانب الحيثى. نعرف أن الملك فى مصر القديمة لكى يصبح إلها كان من مهامه هزيمة الأعداء. ولذلك بنى رمسيس الثانى لنفسه معبدًا عظيمًا فى أبوسمبل. وصور نفسه على جدرانه كملك محارب وهو ينتصر لنفسه كإله، ولكن نؤكد أن المعارك الأخرى التى خاضها الملك رمسيس الثانى قد انتصر فيها. وهو من قام بتوقيع أول معاهدة سلام فى التاريخ مع ملك الحيثيين. وتزوج ملكتين حيثيتين فيما يعرف بالمصاهرة السياسية، لتقوية أواصر السلام الموقع مع دولة الحيثيين.
بدأ معرض الملك رمسيس الثانى فى مدينة هيوستن بأمريكا، ومن بعدها انتقل إلى سان فرانسيسكو، ثم سافر إلى باريس ومن بعدها إلى مدينة سيدنى فى أستراليا، وسوف يعرض فى مدينة كولون بألمانيا بداية من شهر يوليو القادم وحتى بداية شهر يناير من العام القادم، بعدها يسافر إلى مدينة طوكيو فى اليابان.
يضم المعرض الكثير من التماثيل الخاصة بالملك رمسيس الثانى ومنها تمثال لابنه ووريثه على العرش- الملك مرنبتاح- الذى تولى العرش بعده. وهناك تمثال رائع للملك رمسيس عثر عليه داخل خبيئة الكرنك، يمثله راكعًا على ساقيه مقدمًا بيديه ناووسًا للإله كقربان. وبالمعرض أوستراكا عليها رسم لـ اللعبة الشهيرة التى تشبه الشطرنج وتسمى «سنت». وهناك العديد من الآثار التى خرجت من تانيس ولذلك أطلق على المعرض اسم «رمسيس الثانى وذهب الفراعنة». حيث يضم المعرض روائع من الحلى والمجوهرات التى يخص بعضها ملوك الأسرتين الواحدة والعشرين، والثانية والعشرين اللتين عثر على بعض مقابر ملوكهما كاملة فى تانيس. بالإضافة إلى ذلك يضم المعرض بعض مومياوات الحيوانات التى عثر عليها فى منطقة سقارة.
يدر المعرض ملايين الدولارات على مصر، والتى تستغل فى ترميم وصيانة الآثار. كما أن الدعاية التى تتم يوميا من خلال ما تنشره الصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية طوال أيام المعرض تمثل دعاية ضخمة ومجانية للسياحة المصرية!. فالحقيقة أننا لو دفعنا ملايين الدولارات فلن تحصل مصر على مثل هذه الدعاية؛ وقد حضرت بعض افتتاحات هذا المعرض وسجلت مئات الأحاديث الصحفية والإذاعية والتليفزيونية، ورأيت صور الملك رمسيس معلقة على الحوائط والأوتوبيسات بكل مدينة يزورها!، إنه شىء يجعلنا نشعر بالفخر بحضارتنا وملوكنا العظام.
أما عن اليابان، فسوف يفتتح المعرض فى مارس من العام القادم. وقد تم الاتفاق مع عمدة طوكيو وهى السيدة يوريكو التى تتحدث العربية بطلاقة لأنها عاشت فى مصر مع والدها الذى كان يقيم فى مصر، وأقام فيها مقهى يابانيا، وقد درست عمدة طوكيو فى جامعة القاهرة. وهناك اتجاه لكى تترشح لرئاسة مجلس الوزراء. وقد كنت فى زيارة إلى اليابان من قبل وقام السفير المحترم النشط جدا محمد أبو بكر سفير مصر باليابان بتحديد موعد لمقابلتها فى مكتبها وكانت بالفعل مقابلة هامة جدا. رحبت بنا واتفقنا معها على ضرورة حضورها المؤتمر الصحفى للإعلان عن حضور الملك رمسيس إلى طوكيو، وكان السفير محمد أبو بكر يريد أن يقام المؤتمر الصحفى داخل السفارة المصرية حيث يوجد هناك حجرة على الطراز الفرعونى ولكن للأسف الشديد لا تتسع لأكثر من 30 صحفيا وعندما وجد السفير أن هناك حوالى 500 محطة تلفزيونية وإذاعية وصحفية يريدون حضور المؤتمر اتفق مع مسؤولى المعرض على إقامة المؤتمر الصحفى وجعل الاستقبال داخل قاعة بأكبر فنادق مدينة طوكيو.
وقامت السفارة المصرية بالاتفاق مع منظمى المعرض على دعوة الصحفيين، وهنا أسجل الشكر إلى السفير محمد أبو بكر الذى استطاع خلال تواجده بالعاصمة طوكيو أن يجعلنا نحصل على حب الناس. وقد تم دعوتى لحضور المؤتمر وكذلك دعوة الدكتور محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الذى تم تعيينه مؤخرًا، وكان حضوره المؤتمر الصحفى هو أول لقاء رسمى له بعد صدور قرار تعيينه أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للآثار. وقد عمل الدكتور محمد إسماعيل معى فى منطقة الهرم، وكذلك عندما توليت رئاسة الآثار وقد تعلم فى جامعة ببراج عاصمة جمهورية التشيك، وله العديد من المؤلفات العلمية المهمة. وقد عمل أستاذًا للمصريات بألمانيا. ويمتاز الدكتور محمد إسماعيل بنبوغه وتفوقه العلمى رغم صغر سنة إلا أنه يعد واحدًا من أساتذة علم المصريات على مستوى العالم، ويمتاز بالهدوء فى اتخاذ القرارات. وقد تحدث الدكتور محمد إسماعيل فى المؤتمر وأشاد بالحضور وتحدث عن الملك رمسيس والمعرض، وأشار إلى أهمية المعارض بالنسبة لمصر. وتحدث أيضا السيد رون تان منظم المعرض والسفير المصرى، وقد تحدثت لمدة نصف ساعة، وعندما قلت لهم إننى أحب اليابان وأعشق السوشى، بعد الترجمة ضجت القاعة بالضحك. وقلت أيضا إننى اليوم تناولت الغداء فى مطعم سوشى وعندما دخلت المطعم عرفنى صاحب المطعم ونادانى بـ «أندى جونز» وهو الاسم اليابانى لشخصية المغامر الأمريكى إنديانا جونز. وبعد ذلك وصلت محافظ طوكيو، وألقت كلمة جميلة بعدها تم أخذ الصور التذكارية للجميع. وخلال حفل الاستقبال غنى مغنى الأوبرا سيكوى واستقبله الحضور بالتصفيق وسوف يغنى فى ظلال الأهرامات فى إبريل القادم.
غادرت اليابان مسافرًا إلى سنغافورة، وكنت قد زرت هذه المدينة من قبل عام 2002 ولكن التغيير خلال 22 عاما لا يمكن تصوره!، سنغافورة هى بحق مدينة رائعة فى كل شىء. ذهلت من التطور العلمى والتكنولوجى العظيم بالمدينة. لقد زرت المدينة فى ٢٠٠٢ للإعلان عن البرنامج الذى كانت تعرضه قناتا فوكس وناشيونال جيوغرافيك على الهواء مباشرة للحظة استكشاف الروبوت للممرات السرية داخل هرم الملك خوفو. وصلت إلى سنغافورة ووجدت السفير الرائع أحمد مصطفى سفير مصر فى سنغافورة فى انتظارى بالفندق هو وزوجته الفنانة سلوى وابنه أمان، واتفقنا على حضورى للسفارة فى اليوم التالى وذلك لافتتاح معرض الفنانة سلوى. وعند وصولى إلى السفارة وجدت السفير أحمد مصطفى قد قام بدعوة السفراء العرب والأجانب لحضور الافتتاح أيضًا، وقد حضره العديد من المصريين الذين يقيمون فى سنغافورة. وعن الأعمال الفنية بالمعرض فهى تعكس جولات الفنانة سلوى فى العديد من البلدان فى أوروبا وإفريقيا وهى مرافقة لزوجها الدبلوماسى. وقد قامت بعمل لوحة وأحيانًا اثنتين لكل بلد لكنها ركزت فى المعرض على مصر وجمال وسحر مصر. وقد ألقيت كلمة فى الافتتاح أشدت فيها بالمعرض الجميل، وتحدثت عن الأعمال الأثرية التى نقوم بها خلال هذا العام ومنها البحث عن مقبرة الملكة نفرتيتى بوادى الملوك، وكذلك استعمال تحليل الحمض النووى فى الكشف عن مومياء الملكة نفرتيتى عن طريق فريق مصرى يقوده الدكتور يحيى جاد. وكذلك البحث عن الهرم المفقود فى منطقة سقارة.
وفى اليوم التالى ذهبت لزيارة حديقة النباتات الجديدة وهى حديقة النباتات النادرة الموجودة، ولو كان هناك اختيار لعجائب الدنيا السبع الجديدة لكانت هذه الحديقة هى العجيبة الأولى. وقد زرع فيها حوالى 15 زهرة من كل دولة بالعالم. وقالوا إن الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما جاء إلى سنغافورة قام بزراعة زهرة مصر، وهناك اتفاق بين السفير أحمد مصطفى ومدير الحديقة على أن يتم زرع اللوتس والبردى رمزى الصعيد والدلتا داخل هذه الحديقة لكى تكون مصر ممثلة داخلها. وهناك اتصال بين السفير وهيئة تنشيط السياحة لتجهيز هذه الزهور لكى تكون مصر ممثلة بأهم وأقدم الزهور، وبعد ذلك قمت بإلقاء محاضرة عن الاكتشافات الأثرية وما نقوم به خلال هذا العام من اكتشافات أثرية جديدة.
الحقيقة أننى انبهرت بهذه المدينة الجديدة التى لا تجد فيها خطأ واحدا، فهى تقوم على التكنولوجيا وعلى المشروعات الإلكترونية العملاقة. وما زالت الآثار المصرية تجذب كل إنسان فى العالم، وهى الطريق السهل والثمين للدعاية للسياحة المصرية، حيث إن اسم مصر محفور داخل قلوب الناس فى كل مكان بالعالم