بقلم : زاهي حواس
كتبت من قبل عن أهمية موقع مصيقرة الأثري، الذي لا يبعد كثيراً عن العاصمة الرياض، حيث لا تتجاوز المسافة 140 كم باتجاه الغرب. وهو من الأماكن المفضلة لدى هواة السفاري سواء بالسيارات أو الدراجات النارية، ويعد من المواقع الأثرية الكثيفة الزيارة، ولذلك تجد المكان حول الهضبة الصخرية التي تحمل النقوش والرسومات الأثرية محاطة بسياج من الحديد والشبك الصلب لتحديد الموقع وحمايته. وتشتهر مصيقرة بوجود العديد من الواجهات الصخرية مختلفة الأشكال والأحجام، التي تحتفظ بثروة هائلة من النقوش الثمودية، وألوان مختلفة من الفنون الصخرية التي تصور حيوانات وعناصر آدمية ونباتية وبعض الأدوات التي استخدمها الإنسان في حياته اليومية وأشكال لوسوم ورموز مختلفة الحجم، منها ما هو متناهي الصغر وأخرى كبيرة نسبياً. وتعد منطقة مصيقرة واحدة من أهم وأقدم مواقع الفنون الصخرية بالمملكة العربية السعودية، التي يعود تاريخها إلى حوالي 8 آلاف سنة ماضية، وذلك وفق ما أفادت به نتائج تحليل كربون 14 المشع لعينات من الألوان والمواد العضوية التي وجدت بالموقع.
تتفرد نقوش مصيقرة بوجود أشكال نادرة لأنواع من الأسود الجبلية، وكذلك الأبقار ذات القرون الطويلة، التي كانت تعيش بالجزيرة العربية في الأزمنة المطيرة الوفيرة النباتات والمياه، التي سمحت لأنواع كثيرة من الحيوانات مثل الغزلان، والأيائل والظباء، إضافة إلى النعام كذلك بالعيش في هذه البيئة الخصبة. ولذلك تعد نقوش مصيقرة دليلاً أثرياً للظروف المناخية التي مرت بها الجزيرة العربية عبر عصورها القديمة.
والغريب أن صخور مصيقرة لا تعكس فقط لوحات نقشت بأيدي القدماء الذين عاشوا في المكان قبل آلاف السنين، ولكن تبدي كذلك لوحات طبيعية خلابة خلال فصلي الشتاء والربيع، حيث تنمو الأعشاب والأشجار البرية بين شقوق الهضبات الصخرية وتكتسي كذلك بغطاء بديع من الزهور الصفراء والبيضاء البرية في مشهد لا يوجد له مثيل في موقع أثري آخر بالعالم. حيث الطبيعة الخلابة والفنون الصخرية البديعة في مكان واحد وكأنها لوحة فنية متكاملة.
وتحتل صور الجمال على واجهات الصخور المرتبة الأولى بنسبة 11 في المائة بين كل الحيوانات والأشكال الأخرى المصورة سواء كانت نباتية أو بشرية. بينما تمثل صور الخيول نسبة 2 في المائة فقط من الأشكال المصورة على الواجهات الصخرية، متساوية مع أشكال الأسود وغزلان المها، وتسبقها جميعاً صور الكلاب التي جاءت بنسبة 3 في المائة، الأمر الذي يشير إلى أهميتها للإنسان في ذلك الوقت للحراسة وأعمال الصيد، بينما مثلت صور الأبقار والحمير والنخيل نسبة 1 في المائة فقط من الأشكال المصورة على الواجهات الصخرية. ولا تزال صور الكفوف أو الأيدي البشرية تمثل أحد أسرار الموقع حيث لا نعرف على وجه اليقين الغرض من انتشارها ضمن النقوش الصخرية وربما كان الغرض منها سحرياً وإظهار تغلب الإنسان على الحيوان، أو أن يكون لأسباب أخرى غير معروفة.