بقلم : زاهي حواس
قضيت عيد الأضحى المبارك ولمدة خمسة أيام كاملة بطريقة مختلفة عن كل الأعياد التى مرت بحياتى، خاصة بعد أن بدأت العمل منذ ما يقرب من نصف قرن مضى!. كنت أمنح نفسى راحة لمدة يوم واحد فقط؛ وهو أول أيام العيد. وكنت أقضى هذا اليوم مع الأسرة ومع الأصدقاء. ولكن هذا العام وجدت أننى أحتاج إلى راحة أكبر، ربما لتقدم السن أو هو الإرهاق حيث إننى أبدأ العمل يوميًا من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً، بعدها أذهب لممارسة الرياضة وهذا شى ضرورى بالنسبة لى. لكن هذا العام قررت أن أمنح نفسى إجازة لمدة خمسة أيام. وقررت أيضًا أن أستيقظ من النوم متأخرًا، وأن أمارس الرياضة فى المنزل، وأن أجلس لمشاهدة البرامج الرياضية؛ خاصةً «ملك وكتابة» للمهندس عدلى القيعى وإبراهيم المنيسى، وبرنامج «البيت الكبير» الذى يقدمه الكابتن إسلام الشاطر، وبرنامج «المجرى» الذى يقدمه الكابتن مصطفى عبده، وكذلك «مساء الأنوار» الذى يقدمه مدحت شلبى. إن الشىء الوحيد الذى أعيبه هو كثرة الإعلانات وطول مدتها. وخلال فترة إجازة العيد الاستثنائية كنت أتابع اليوتيوب وأشاهد أفلام الزمن الجميل الأبيض والأسود، وأفلام النجم الجميل عادل إمام. هذا النجم لن يتكرر وسيظل لملايين المصريين والعرب نجم الكوميديا رقم واحد فهو الزعيم بلا منافس.
نعود إلى موضوع هذا المقال حيث زار مصر مجموعة من الأمريكان من أصل إفريقى ودخلوا المتحف المصرى ووقفوا أمام أحد التماثيل ليعلنوا أنهم أصل الحضارة المصرية!، وهذه ليست المرة الأولى التى يخرجون فيها مثل هذه الدعاوى!، فقد حاولوا وغيرهم من قبل التمحك فى الحضارة المصرية وجعلها أصلًا لهم. ولعلنا نذكر الممثل الأمريكى الكوميدى الشهير كيفن هارت الذى كان مقررًا أن يأتى إلى مصر ويقيم حفلًا يعلن فيه معتقداته عن أن الأشخاص ذوى البشرة السمراء هم أصل المصريين! وتم بالفعل إلغاء هذه الزيارة غير المرغوبة. وفى البرازيل تقيم جماعات من أصل إفريقى احتفالات وكرنفالات ضخمة، ويقوم شخص منهم بتقمص دور الفرعون المصرى ويرتدى تاج الوجهين الأبيض والأحمر، وبجواره فتاة تلعب دور الملكة المصرية، ومن خلفهما تسير الحشود مع الطبول والزهور فى كل مكان. وقامت جادا زوجة الممثل الأمريكى الشهير ويل سميث بعمل فيلم مضحك تحاول فيه أن تثبت أن الملكة كيلوباترا كانت ذات بشرة سمراء. وكان هذا الفيلم مثيرًا للسخرية فى كل مكان لأن كيلوباترا لم تكن ملكة مصرية بل مقدونية. وقد اعترضت على هذا الفيلم لأنه لم يكن عملا روائيا بل كان جزء كبير منه تسجيليا!، ولذلك وضعت خطة علمية لمواجهة ادعاءات هذا الفيلم؛ أولًا بالاتفاق مع مخرج إيطالى لعمل فيلم تسجيلى وقمت بإعطائه أسماء العلماء الذين يجب أن يتحدثوا فى هذا الفيلم وقد تم عرضه على وسائل التواصل الاجتماعى وكانت المفاجأة أن الناس تفاعلوا تمامًا وأضربوا عن مشاهدة فيلم نتفلكس، وقد شاهد الملايين من الناس الفيلم الذى أعددناه لكى نثبت أن الملكة كليوباترا لم تكن ذات بشرى سمراء.
بدأت دعاوى الأفروسنترك عن طريق السنغالى الشيخ أنتا ديوب الذى اعتمد على وجود بعض التماثيل التى تخص الملك توت عنخ آمون والملك رمسيس الثانى ملونة باللون الأسود. لذلك فقد قام بعمل كتاب يقول فيه إن الحضارة المصرية أصلها زنجى!، ونظرًا لانتشار الموضوع فى كل مكان قامت اليونسكو بعقد مؤتمر دولى يحاضر فيه علماء من دول مختلفة لمناقشة فكرة الشيخ أنتاديوب، واتفقوا جميعًا فى النهاية بأنه لا يوجد أى دليل علمى على أن أصحاب الحضارة المصرية القديمة ذوو بشرة سمراء أو أن الفراعنة كانوا من الأفارقة. وتم نشر كتاب يحوى هذه الآراء.
وهناك رأى آخر بالنسبة لأصل المصريين يقول بأنه سامىّ حامىّ. والأصل السامى هو الذى يميل إلى لون شعوب البحر المتوسط وأن العنصر الحامى هم الذين جاءوا من إفريقيا. ويشير أصحاب ذلك الرأى إلى أن اللغة المصرية القديمة هى أصل اللغات السامية مثل العبرية والعربية.
اتفق معظم العلماء على أن ادعاء الشيخ أنتاديوب أن الحضارة المصرية القديمة أصحابها هم ذوو البشرة السمراء لا يؤيده أى دليل علمى. وأن نظرية الأصل السامى والحامى أيضًا لا يوجد أى دراسة علمية تؤيدها. وأنا شخصيًا أعتقد فى الرأى الثالث الذى يشير إلى جبانة عثر عليها عالم الآثار الإنجليزى فلنندز بترى والمعروف باسم أبو المصريات وعثر على هذه الجبانة فى نقادة فى القرن الماضى، وقال إن هؤلاء المدفونين بالجبانة هم أصل المصريين. أى أن هؤلاء هم الذين أقاموا هذه الحضارة وأعتقد فى صحة هذا الرأى. أن اغلب دول إفريقيا يوجد بها مقومات وإمكانيات أكثر بكثير من الموجودة بمصر ومع ذلك لم نر بها حضارة مثل الحضارة المصرية القديمة!، لذلك فمصر ليست هبة النيل ولكنها هبة المصريين.
اعتقد المصريون القدماء فى العالم الآخر وأن هذا الاعتقاد هو الذى بنى مصر. ووجد المصريون أن لديهم الأحجار التى تبنى هذه الحضارة الديوريت والجرانيت والألباستر والحجر الجيرى الأبيض والبازلت، والمعادن من الذهب ونحاس وأحجار كريمة ونصف كريمة لا يمكن إحصاؤها. إن لدينا خطابا لطيفا من ملك فينيقى أرسل إلى الملك أمنحتب الثالث يطالبه بأن يرسل له الذهب لأنه حسب قوله «إن الذهب فى أرض مولاى مثل التراب عندنا!».
قمت فى عام ٢٠٢٣ بإلقاء ٢٣ محاضرة فى ٢٣ مدينة أمريكية مختلفة؛ كان يحضر هذه المحاضرات أعداد كبيرة من الأمريكان وخلال هذه الرحلة وجدت أن أصوات كثيرة كانت تعلو من الأمريكان ذوى البشرة السمراء يدعون بأنهم أصل الحضارة المصرية، لذلك بدأت الحديث فى الصحف وقنوات التلفزيون الأمريكية لدحض هذه الادعاءات التى لا أساس لها من الصحة. إن العلم والأدلة الأثرية لا تثبت أن لأصحاب البشرة السمراء صلة بهذه الحضارة إطلاقا، وهنا أود أن أشير إلى أننى لست ضد أصحاب البشرة السمراء إطلاقا ولست ضد من هم من أصل إفريقى ولو كان لهم حق فيما يدعون لأعلنته فورًا.
ومع الأسف بدأت مجموعة منظمة من الأمريكان ذو البشرة السمراء تهاجمنى ووقفوا أمام مدخل قاعة المحاضرات بلوس أنجلوس وهم ممسكون بلافتات تهاجمنى وتتهمنى بالكذب. وعند مدخل مركز الزوار بمدينة نيويورك وجدت مجموعة تحمل لافتات تطلب من جامعة بنسلفانيا أن تقوم بسحب درجة الدكتوراه منى!، وهم لا يعرفون أن الدرجة التى حصلت عليها من الجامعة ليس من حق أى أحد أن يسحبها فهى ليست دكتوراة فخرية. وقد وجدت أن هناك إصرارا منهم على تزييف الحقائق.
وحدث يوم ٢٧ مايو ٢٠٢٣ أن كنت فى مدينة سينسيناتى بولاية أوهايو أحاضر لما يقرب من حوالى ٢٠٠٠ شخص وجاء لى أحد المنظمين للمحاضرة ليخبرنى أن هناك حوالى ٥٠ شخصا من الأمريكان ذوى البشرة السمراء ومعهم العديد من السيدات دخلوا المحاضرة وأنهم يتحدثون عن أنهم أصل مصر، وأشار منظم المحاضرة إلى خوفه من مهاجمتى. طمأنت الرجل وبدأت أحاضر عن اكتشافاتى الأثرية والبحث عن الهرم المفقود وكذلك البحث عن مومياء الملكة نفرتيتى بالأقصر، والكشف عن المدينة الذهبية، وبعد المحاضرة وخلال فترة الأسئلة وقفت سيدة منهم تقول لى بالحرف الواحد لماذا تهاجمنا وتظهر أننا لسنا أصل الفراعنة؟!، قلت لها دعينى أسرد عليكِ ما يقوله العلم، أرجو أن تعرفى أن مملكة كوش كانت تحت حكم مصر آلاف السنين وأنهم خلال هذه الفترة قدموا لنا أهرامات ومقابر لا تنافس الأهرامات المصرية، من حيث جمالها ولكن حدث فى ٥٠٠ قبل الميلاد- أى الأسرة ٢٥- أن قامت هذه المملكة بحكم مصر لعدة سنوات، وذلك خلال حقبة نهاية الحضارة المصرية القديمة أى أنه لا يوجد لهم صلة بأصل الحضارة. وقلت لها فى نفس الوقت أن تنظر إلى المناظر الممثلة على المعابد والمقابر منذ عصر الدولة القديمة والى نهاية التاريخ المصرى القديم وسوف ترى أن الملك يضرب الأعداء ومنهم العنصر الإفريقى، وشخصا من كوش وسوريا وفلسطين وليبيا، وبالملاحظة نرى أن شكل الملك المصرى يختلف تمامًا عن شكل أى شخص يقوم بضربه. هذه هى الحقائق العلمية التى يجب أن نعلمها جميعًا. بعد ذلك وجدت السيدة تشكرنى وتقول لى: «أعلم أن غدًا هو يوم عيد ميلادك هل ممكن أن نحتفل بعيد ميلادك الآن؟» وفعلا غنى لى ٢٠٠٠ شخص عيد ميلاد سعيد. وكانت لحظة لن أنساها فى حياتى. ولقد اتصل بى الإعلامى الصديق تامر أمين لكى أعلق على ادعاءات الأفروسنترك الجنس، وقد سردت عليه كل الأدلة التى تثبت خطأ هذا الكلام. وهاجمت فيلم نتفليكس الذى يشير إلى أن كليوباترا بشرتها سمراء!، وبعد ذلك قامت قناة نتفليكس بعرض فيلم لى عن حفائرى فى سقارة والبحث عن الهرم المفقود. وتساءل الإعلامى تامر أمين: لماذا يهاجم زاهى حواس فيلم كيلوباترا الذى يعرض على نتفليكس؟ ثم يعرض له فيلم عن الحفائر فى سقارة على نفس المنصة؟، لماذا يتعاون مع نتفليكس؟، واتصلت به لأجيبه بأن هذا الفيلم تم تصويره العام الماضى وفى نفس الوقت كانت المنصة تقوم بعمل كليوباترا!، لذلك فى رأيى ليس من حقنا مهاجمة القناة لأنها قناة حرة مفتوحة لكل الآراء وقد كان جميلا من الصديق تامر أمين أن يعلن فى برنامجه ما قيل بل ويعتذر وهذه هى سمة الكبار. الحضارة المصرية حضارة عظيمة ولا يمكن أن ينال منها أى شخص مهما كان.