بقلم : زاهي حواس
خُصصت القاعة الثانية بمتحف عبد اللطيف جميل في موقع «فيد» الأثري للحديث عن المكان خلال الفترة السابقة للإسلام، بينما خُصصت القاعة الثالثة عن «فيد» خلال العصر الإسلامي. كما تحولت الواجهات الصخرية للجبال المحيطة بـ«فيد» إلى لوحات فنية لا مثيل لها تَعرض عدداً كبيراً من الرسومات والنقوش الصخرية القديمة تحكي قصة المكان والزمان من خلال نقل وتوثيق ما كانت عليه البيئة المحيطة بحيواناتها وأعشابها والناس سواء الذين عاشوا في المكان أو الذين مرُّوا به، إضافةً إلى أعداد كبيرة من الكتابات القديمة التي تغطي الفترتين ما قبل وما بعد ظهور الإسلام. هذا إلى جانب الكثير من المنشآت المعمارية لدوائر حجرية ومنشآت متعددة لأبنية مختلفة الوظائف. الأمر الذي يؤكد أن الموقع شهد فترة استيطان غنية تعود إلى ما قبل الإسلام حتى الفترة الإسلامية. ونعرف من خلال ما يُعرض في القاعة الثالثة بالمتحف أن «فيد» اكتسبت شهرة واسعة خلال الفترة الإسلامية لوقوعها على طريق الحج العراقي الذي اشتهر باسم درب زبيدة، فأصبحت من أهم المدن الإسلامية المبكرة الواقعة على طريق الحج.
وقد ازدهرت مدينة «فيد» خلال العصرين الأموي والعباسي. وبسبب تلك الأهمية كانت تسمى عاصمة الطريق، حيث كان الحجاج المسافرون القادمون من العراق وبلاد فارس يستريحون بها ويتعاملون مع أهلها ويتزودون بما يحتاجون إليه من مأكل ومشرب. وقد كشفت أعمال التنقيب والمسح الأثري بموقع «فيد» عن عدد كبير من المعالم التي تعود للفترة الإسلامية، شملت الوحدات المعمارية مختلفة الأحجام والأشكال وبعض الآثار والقنوات المائية، كذلك بقايا حصن «فيد» الضخم، والمدينة السكنية، والسوق، والجامع، والنفيسة «البِركة المثمَّنة». كما كُشف في محيطها عن أقدم نقش، وعن أهم المشاريع الحجرية في العصر الإسلامي وهو تمهيد طرق الحج، ويعود الفضل في إنشائه إلى السيدة زبيدة، زوجة هارون الرشيد، أحد أشهر خلفاء العصر العباسي. ويصل الطريق من الكوفة إلى مكة المكرمة ويمتد عبر منطقة حائل، حيث اكتُشف الكثير من معالم هذا الطريق بالمنطقة، وسُجِّل ووُثِّق الكثير من بِرك هذا الطريق بالقرب من «فيد» وبِركة مثمَّنة وحوطنين داخل البلدة إحداهما مربعة والأخرى مستطيلة الشكل متصلة بقناة فوق سطح الأرض. وقد استفاد السكان في محيط مدينة «فيد» قديماً من برك درب زبيدة الغربية من مدينة «فيد».