سعدت بإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى إنشاء متحف خاص عن المرأة المصرية على مر العصور بالعاصمة الإدارية الجديدة. أخيرًا تحققت أمنيتى بإنشاء متحف المرأة المصرية بالعاصمة الجديدة. ومما لا شك فيه أنه سيكون متحفًا فريدًا من نوعه، وسيجذب اليه السائحين الذين يأتون إلى مصر وبالتالى سيكون فرصة عظيمة لكى يروا بأعينهم الإنجاز المصرى فى إنشاء عاصمة جديدة لمصر.
سيعنى متحف المرأة المصرية بتسجيل تاريخ المرأة المصرية ومساهمتها فى بناء الحضارة المصرية عبر عصورها المختلفة وصولًا إلى العصر الحديث وحتى هدى شعراوى. ولكن من الضرورى أن يتم كتابة سيناريو العرض المتحفى من خلال متخصصين فى التاريخ الفرعونى والقبطى والإسلامى والتاريخ الحديث حتى تتم رسالة هذا المتحف على الوجه الأكمل.
نعرف أن المرأة المصرية القديمة قد نالت احترام وإعجاب الخاصة والعامة فى كل مكان. وهذا التقدير الذى حصلت عليه المرأة فى العصر الفرعونى يجعلنا ملزمين بتسجيل تاريخ وإسهامات المرأة المصرية القديمة لتصبح دائمًا ملهمةً لكل الأجيال وفى كل العصور. لا بد أن نعرف أولًا أن عدد سكان مصر القديمة كان يتغير وينمو بدرجة كبيرة، وفى الحقيقة فإننا لا نملك معلومات كافية عن تعداد السكان فى العصور الفرعونية، بل لا نعرف هل كان النساء أقل من الرجال عددًا أم لا؟، وما نعرفه هو أن المصريين كانوا مغرمين بكثرة الإنجاب. لقد عثرت على مقبرة من مقابر العمال بناة الأهرام بالجيزة، وبالتحديد بالجبانة العلوية وهى الخاصة بالفنانين ورؤساء العمال. وصاحب هذه المقبرة تزوج من سيدتين وأنجب من واحدة منهن أحد عشر ولدًا وبنتًا!، والجميل فى هذه المقبرة أن الزوجة الأولى أعطت اسم الزوجة الثانية لأحدى بناتها!، ولم يكن الزواج من أكثر من زوجة محببًا أو شائعًا فى طبقات المجتمع المصرى القديم، وقلة فقط من الرجال هم من تزوجوا بأكثر من سيدة. وتوجد لدينا بيانات رسمية عن إحصاء رسمى للسكان فى العصر الرومانى يقدر بحوالى سبعة ملايين نسمة فضلا عن وجود نصف مليون مواطن سكندرى عاشوا فى الإسكندرية.
استطاع علماء الآثار والأنثروبولوجيا تقدير عدد السكان فى الدولة القديمة بحوالى مليون نسمة، وفى الدولة الحديثة بحوالى مليون ونصف أو مليون وستمائة ألف نسمة، وذلك اعتمادًا على الحفائر التى تمت فى الجبانات المصرية. وقد استطعنا خلال متابعة مشروع الصرف الصحى لقرية نزلة السمان وكفر الجبل ونزلة البطران ونزلة السيسى من الكشف عن بقايا مدينة ترجع إلى الدولة القديمة مساحتها حوالى ثلاثة كيلومترات. ومهما كانت الملامح الفعلية لحجم السكان فإنه يتضح لنا من خلال الأدلة الأثرية واللغوية فى مصر القديمة أن معظم السكان عملوا بالزراعة، وكانوا يجهلون القراءة والكتابة.
لقد اعتقد بعض العلماء أن الهيئة والشكل الرقيق الذى ظهرت عليه المرأة المصرية على جدران المقابر والمعابد يعبر عن سيدات الطبقات العليا فى المجتمع!، ولكن الاكتشافات الحديثة التى فى الجيزة أكدت لنا أنه حتى المرأة العاملة وزوجة العامل المصرى الذى نقل الأحجار لبناء الأهرامات، وكذلك زوجة الفنان الذى رسم المقابر لم يكنّ أقل رقةً وجمالًا من سيدات الطبقة العليا.
عندما قمت بكتابة كتاب عن المرأة الفرعونية باللغة الإنجليزية قبل أن يترجم إلى معظم لغات العالم، اكتشفت أن أغلب الكتب الأجنبية عن المرأة إما بعنوان المرأة فى مصر القديمة أو المرأة فى مصر الفرعونية، وعندما تتصفحون هذه الكتب تكتشفون أن معلوماتنا عن المرأة جاءت عن طريق الرجال!، ومن خلال الصور والتماثيل التى عثر عليها داخل المقابر. لذلك اخترت عنوان: صور صامتة: النساء فى مصر القديمة. والمرة الوحيدة التى تكلمت فيها المرأة كانت من أم تنصح ابنتها وتقول لها «لكى تنالى قلب زوجك املئى بطنه!». وقد اعتمدت فى كتابى الذى ترجم إلى العربية بعنوان سيدة العالم القديم؛ ونشره صديقى المهندس إبراهيم المعلم؛ على المصادر المكتوبة والمكتشفة حديثًا، وكذلك النصوص الأدبية المعروفة بأدب الحكمة والنصائح وطرق اختيار شريكة الحياة الصالحة وكيفية معاملتها بالحسنى فضلا عن تجنب النساء اللواتى لا يتحلين بالفضائل وعفة النفس، وكانت النصيحة التى تقدم للشباب هى الإسراع بالزواج وتكوين الأسرة، والامتناع عن إقامة علاقات غير شرعية مع نساء متزوجات!. ولدينا نص فريد عبارة عن نصيحة أم لابنتها عن كيفية التعامل مع زوج بخيل أو قاس وكيفية كبح جماحه والحفاظ على البيت والتأكد من أنه سوف يزودها بدفنه لائقة وأثاث جنائزى جيد.
لقد اهتم المصرى القديم بتعليم المرأة، وبالإضافة إلى سيدات الأسر الحاكمة المتعلمات حرصت بعض العائلات الأرستقراطية على تعليم فتياتهن وإجادتهن القراءة والكتابة عن طريق المعلم الخاص الذى كان يعلمهن فى منازلهن أو كن يتعلمن عن طريق الآباء والأمهات. وعن تعدد أدوار المرأة فى مجتمعها المصرى القديم فإن دورها الأساسى كان يتمثل فى إنجاب الوريث الذى يقوم على رعاية الوالدين عندما يتقدم بهما العمر، فضلا عن الإشراف على بناء مقابر لهما وإمدادهما بالقرابين اللازمة فى الأعياد والمواسم. وكانت المرأة تشرف على تربية أطفالها ورعايتهم وتعليمهم، ومساعدة زوجها فى العمل. وكانت حقوق المرأة المصرية تعكس قدرها فى مجتمعها. وتكمن أهمية دور المرأة القديمة فى ضمان سلامة الروابط الأسرية والحفاظ على قيمة السلام والطمأنينة فى الانتماء إلى المجتمع. لم تقتصر المرأة المصرية فى أداء دورها فى المجتمع، بل قامت بأدوار عظيمة وما زلنا نفخر بإنجازاتها فى تلك العصور السحيقة من التاريخ الإنسانى. لقد حاولت عالمة مصريات أجنبية النيل من مكانة المرأة المصرية القديمة فلم تنصفها ولم تعطها حقها بل حاولت أن تثبت- من خلال بعض المناظر التى تصور المرأة المصرية جالسة على الأرض تحتضن ساق زوجها- أنها كانت خاضعة مستكينة تسير حسب أوامر الزوج!، وهذا ليس صحيحًا على الإطلاق فقد حقق الزوج لزوجته حلمًا كبيرًا باستضافته لها فى تمثاله أو فى منظره المصور على جدار مقبرته، وكذلك لم يهمل أمر نحت تماثيل مستقلة تخص زوجته وأخرى تجمعهما جنبًا إلى جنب وبنسب متساوية. يؤكد ما ذهبت إليه عالمة المصريات السابقة عدم فهم روح الحضارة المصرية القديمة حيث إنها وغيرها من العلماء الأجانب تربوا فى بيئات بعيدة تمام البعد عن واقعية المجتمع المصرى وثقافته.
لقد سجلت حقوق المرأة المصرية القديمة تسجيلًا جيدًا مما أدى إلى الكشف عن فروق صارخة عند مقارنتها بنظيرتها اليونانية والرومانية!، ويؤكد ذلك على الوضع المتدنى للمرأة فى تلك الحضارات التى لم تصل لما وصلت إليه الحضارة المصرية القديمة من رقى وتمدن. تمتعت المرأة فى مصر القديمة بحقوق مساوية للرجل فقد كانت تتملك الأراضى والعقارات أو تشتريها بنفسها، وكذلك كافة البضائع فضلا عن حقها فى التصرف فى ممتلكاتها وإدارتها لها كيفما تشاء. كما كان لها الحق فى إقامة الدعوى القضائية فى المحاكم. وقد حفظت لنا الوثائق كثيرا من النصوص القانونية والشرعية خاصة النصوص المدنية مثل الوصية التى يتركها الإنسان بعد وفاته وعقود الممتلكات المختلفة ونصوصا مختصرة عن الأحوال الشرعية وقضايا المحاكم التى عثر على أغلبها فى قرية دير المدينة التى خصصت للعمال الذين نحتوا وزينوا المقابر الملكية فى وادى الملوك بالبر الغربى للأقصر خلال عصر الدولة الحديثة. وتعد هذه النصوص مصدر معلوماتنا عن النظم والقوانين الشرعية التى عمل بها المجتمع المصرى القديم بوجه عام حيث اعتاد أهل القرية أن يدونوا شؤون حياتهم على كسر الفخار وقطع الحجر الجيرى الصغير وقد عرفت هذه باسم الأستراكات. والمؤكد أن مجتمع دير المدينة كانت به نسبة كبيرة من المثقفين والمتعلمين الذين يجيدون القراءة والكتابة، على الرغم من أنهم لم يكونوا من الصفوة بل كانوا عمالًا وصناعًا وفنانين وكتبة وفلاحين، وهؤلاء هم من قامت على أكتافهم تلك الحضارة العظيمة. وقد قام علماء الآثار بعمل تصنيف للموضوعات التى دونت على كسر الفخار واتضح أنها تحتوى على قوائم وخطابات وشكاوى وكشوف لمخصصات العمال التى كانت تعطى لهم فى صورة مؤن وملابس وقطع أثاث. فضلا عن وجود بعض النصوص التى تحتوى على شكاوى بل وبعض المكائد التى تعكس جانبا من الخلافات بين العمال!، كما أن هناك وقائع تشير إلى إقامة علاقات غير شرعية بين الرجل والمرأة، وبعض جرائم الزنا وقضايا الأحوال الشخصية مثل الخلافات الزوجية.
ومن الوقائع المهمة التى حفظت لنا من وثائق عصر الرعامسة وهى على درجة كبيرة من الأهمية ذلك الإضراب الذى قام به العمال فى البر الغربى بالأقصر نتيجة لتأخر رواتبهم وعدم استلامهم المؤن الخاصة بإعاشتهم!، ويعد هذا أول إضراب موثق فى التاريخ القديم. وقد أعطتنا هذه النصوص صورة جديرة بالاعتبار عن المجتمع المصرى القديم خاصة طبقة عامة الشعب خلال الدولة الحديثة. ومن خلال أعمال وتنقيب فى أطلال دير المدينة أمكن التعرف على بعض المنازل التى كانت مخصصة لبعض الفنانين والعمال المتميزين. وقد أمدتنا وثائق دير المدينة بمعلومات لا بأس بها عن النساء والأطفال فضلا عن الرجال. تصور لنا وثائق دير المدينة حياة شعب عاش فى قرية منذ أكثر من ٣٠٠٠ نرى فيها مظاهر الضعف والقوة، الحب والكراهية، السلام والنزاعات، فضلًا عن ذلك التوازن الثابت والمقبول بين الأدوار المختلفة للرجل والمرأة. على الرغم من أننا نجد أن النتائج لا تتماشى بكل تأكيد مع نظرية المساواة بين الجنسين بمفهومها فى عصرنا الحالى، لكن لا يجب أن ننسى أن نساء مصر القديمة لم يكن يشغلهن أفكار الاستقلال والمساواة والمعاملة بالمثل مع الرجال!، بل كن مشغولات بإتمام رسالتهن نحو أسرهن ومجتمعهن. كان المجتمع المصرى القديم يحكم نظريًا من خلال قانون الحق الإلهى المنتسب للإلهة ماعت- ربة الحق والعدالة والنظام الكونى. خضع المجتمع بأكمله للسلطة المطلقة للنظام الملكى الوراثى حيث كان يجلس الملك المقدس على قمة المجتمع، يليه كبار رجال بلاطة ودولته الذين كانوا يحكمون جميع الأقاليم، أما بقية أفراد الشعب فكانوا بمثابة رعية الإله رع. وتحث النصوص الأدبية على الاعتدال والشفقة تجاه أفراد المجتمع خاصة المحتاجين والضعفاء، وهو ما نراه فى العبارات التى تسجل ضمن الصيغ الجنائزية على جدران المقابر ومن أمثلتها ما يلى:
«أعطيت الخبز للجياع والملابس للعراة وقد قمت بمساعدة الضعيف وحماية الأرملة».
لقد عثرت على نص مثير داخل مقبرة الكاهن كاى بالجيزة يقول:
«إن الفنانين والصناع وعمال المقابر والنقاشين الذين عملوا بمقبرتى قمت بإعطائهم الخبز والجعة لقاء ذلك وجعلتهم يقسمون أنهم سعداء بذلك!».
أستطيع القول بأن المرأة فى مصر القديمة برزت ووضحت مكانتها فى البيت ولدى أفراد أسرتها واعتبرت بمثابة الملاذ أو المرسى لأفراد الأسرة، فهى التى تحمل وتلد الأطفال وتربى الأجيال القادمة وهكذا فقد كان يعهد لها بسعادة ورفاهية الأسرة ليس فقط عن طريق إنجاب وريث لكن أيضا مصدر سعادة الأجداد والأسلاف فى ذلك؛ لأن الأبناء الذين سوف تنجبهم سوف يلتزمون بالحماية والحفاظ على مقابر أسلافهم. ظل المجتمع المصرى القديم قويًا متماسكًا لأن المرأة المصرية كانت تقوم بواجبها على أكمل وجه وهى سعيدة راضية.