بقلم : آدم مينتر
يتجمع الملايين من الصينيين، في الربيع من كل عام، حول أجهزة التلفزيون الخاصة بهم لمدة ساعتين لمتابعة بيان «يوم حقوق المستهلك»، الذي يتم فيه إعلان أسماء العلامات التجارية للشركات التي تقوم بارتكاب جرائم تتراوح من ضعف تقديم الخدمات للعملاء، إلى الاحتيال المباشر.
وهذا العام، كان بيان يوم حقوق المستهلك هو نفسه في الغالب، وتضمنت الشركات التي تم فضحها شركة فورد موتور، لكن وسط الشركات متعددة الجنسيات المعتاد ذكر أسمائها كان هناك بعض المعلومات المهمة، فقد تم ذكر أسماء مزارع تربية أغنام تقع على بُعد 120 ميلاً جنوب بكين، حيث تم الكشف عن أن المزارعين في هذه المزارع يقومون بإعطاء أغنامهم منشط الـ«كلينبوتيرول» بانتظام وذلك كمحسن قوي للنمو، وهو المادة المحظورة في البلاد لإمكانية تسببها في مشاكل صحية خطيرة للبشر، كما جاءت مؤخراً أيضاً أنباء تفيد بأن منظمة الصحة العالمية تنظر لمزارع الحيوانات البرية في الصين باعتبارها مصدراً محتملاً لتفشي فيروس «كوفيد - 19» في العالم.
والقاسم المشترك بين الأمرين هو أنهما يظهران مدى صعوبة الإشراف على نظام المزارع الصغيرة الهائل في الصين، خاصة عندما يكون لدى المسؤولين المحليين حوافز لتجاهل مشاكلها الواضحة، ولكن في الوقت الذي تبدأ فيه الحكومة الصينية في تنفيذ الإصلاحات الموعودة بعد الوباء، فإنَّه يجب تغيير هذه الأوضاع.
ومن المعروف أن المزارع تنمو في معظم الأماكن بالتوازي مع التحضر والنمو الاقتصادي والإنتاج الزراعي، ولكن ذلك لم يحدث في الصين التي تشهد تحضراً سريعاً، وهو ما يرجع جزئياً إلى ملكية الحكومة للأرض، حيث يتحكم المزارعون في قطع الأراضي التي تخصصها الدولة، والتي لا يمكن نقل ملكيتها إليهم بسهولة، كما أنهم يبحثون عن طرق لزيادة محاصيلهم، وهو أمر ليس سهلاً، إذ يبلغ متوسط مساحة المزرعة الصينية نحو 1.25 فدان، وعادة ما يتم تقسيمها إلى أراضٍ تبلغ مساحتها ربع فدان.
وبسبب عدم تمكنهم من زيادة المحاصيل عن طريق الاستحواذ على الأراضي، فقد لجأ المزارعون منذ فترة طويلة إلى الوسائل الكيميائية، بما في ذلك استخدام الأسمدة ومبيدات الآفات، والذي يتم بشكل مفرط في بعض الأحيان، وهو أحد الأسباب التي تجعل الصين تتصدر العالم في استخدام المبيدات بهامش واسع عن بقية الدول (تستخدم الولايات المتحدة، التي تمتلك المزيد من الأراضي الصالحة للزراعة، ربع ما تستخدمه الصين) كما أن الحكومات المحلية، التي ترغب في رؤية ازدهار الإنتاج الزراعي في البلاد، بالنظر في الاتجاه الآخر.
وليس فقط مزارعو المحاصيل الزراعية هم الذين يعانون من مشكلة حجم المحاصيل، حيث وجد مسح حديث أن مزارع الدجاج في شمال غربي الصين تستخدم المضادات الحيوية على نطاق واسع أيضاً، كما يتم استخدام مادة الكلينبوتيرول، والتي غالباً ما يُطلق عليها «مسحوق اللحوم الخالية من الدهون»، حيث تتم إضافتها إلى علف الحيوانات منذ عقود باعتبارها وسيلة لزيادة وزن الماشية وزيادة نسبة العضلات إلى الدهون.
وفي 1997. فرضت الصين حظراً على إضافة هذه المادة إلى العلف، لكن هذا الحظر لم يكن فعّالاً إلى حد كبير، حيث وجدت دراسة أجريت في 2015 أن المزارعين لا يزالون يكسبون مزيداً من الأرباح من لحوم الخنازير التي يتم تربيتها باستخدام الكلينبوتيرول، وصحيح أن المستهلكين قد عانوا من هذا الأمر، ولكن بالنسبة للمزارعين المتعطشين للأراضي، فإن هذه المادة كانت وسيلة لنمو أرباحهم.
وكانت المشكلة الوحيدة هي أن هذا النمو كان مصحوباً بتفشٍ كبير للأمراض المرتبطة بالكينبوتيرول، وفي 2011. سئمت الحكومة من الأمر لدرجة أنها قامت بإرسال أسماء العديد من الجناة المخالفين الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام مع وقف التنفيذ لوسائل الإعلام الحكومية، ووصل الأمر لأكثر من 100 محاكمة متعلقة بالمخالفة، كما أعلن المسؤولون عن مجموعة من الإصلاحات المصممة لمنع المزارعين ومصنعي الأغذية من استخدام الإضافات غير القانونية.
ولكن لم يكن هذا القمع كافياً أيضاً، حيث إنه في منتصف 2010. كان من المعروف بين البائعين في السوق المحلي في شنغهاي أنَّ اللحوم المبيعة في الأسواق الأخرى كانت لا تزال ملوثة بمادة الكلينبوتيرول، كما وجدت الدراسات الاستقصائية الحديثة لأسواق اللحوم بالتجزئة والجملة آثاراً أيضاً لوجود المادة، ووفقاً للمزارعين والوسطاء الذين ظهروا في عرض «يوم حقوق المستهلك»، فإن هذه المادة لا تزال تضيف 7 - 9 دولارات إلى قيمة الأغنام، ولكن إدخال هذا اللحم إلى السوق هو في الحقيقة يشبه بيعه على جانب الطريق، فالحكومات المحلية، كما قيل في العرض، إما لا تلاحظ الأمر أو لا تهتم به.
وتعد هذه الاكتشافات محبطة للروح المعنوية للصينيين المتلهفين لرؤية تحسن سلامة الغذاء في البلاد، كما أنها تعد مقلقة أيضاً لأي شخص يشعر بالخوف من افتقار بكين إلى القدرة على الوفاء بالتزامها، الجدير بالثناء، في عهد «كوفيد - 19» بالتخلص من صناعة تربية الحيوانات البرية، البالغ قيمتها 75 مليار دولار، والمنتشرة في عشرات الآلاف من المزارع، والتي يُعتقد أن فيروس كورونا المستجد قد نشأ فيها، وما لم يكن لدى الدولة الصينية أعداد أقل من هذه المزارع، فإن الحكومة لن تكون قادرة على تطبيق هذه اللوائح بشكل كامل.
وإذا كانت هناك أخبار جيدة، فهي أنَّ الصين ليس لديها نية للسماح للمزارع الصغيرة والمشكلات المرتبطة بها بأن تصبح موجودة في مستقبل صناعتها الزراعية، لكن إصلاح هذه المشكلات سيتطلب عقدين من الزمن، وذلك وفقاً لمسؤولين صينيين، وحتى ذلك الحين فإنه سيتعين على المستهلكين في الصين وأماكن أخرى مراقبة ما يأكلونه بعناية.