بقلم : آدم مينتر
قبل عشر سنوات مضت، كان أقل من ثلث السكان القاطنين في المناطق النامية يملكون حرية الوصول إلى شبكة الإنترنت السريعة عبر الهواتف المحمولة. وكانت «فجوة التغطية» هذه، وهو المسمى الذي صارت تُعرف به، تعد من الظواهر المثيرة للقلق، لا سيما بالنسبة إلى الحكومات ذات الحرص البالغ على المنافسة في مجال الاقتصاد المعرفي وشركات التقنية الحريصة للغاية أيضاً على الاستفادة من هذا المجال المهم. ولذلك في عام 2013 أطلقت شركة «ألفابيت»، وهي الشركة الأم لشركة «غوغل» العملاقة، شركة جديدة تحت اسم «لوون»، وهو مشروع كبير وجريء للغاية لتوفير خدمات الاتصال بالإنترنت للمناطق الريفية والنائية وذلك باستخدام بالونات عالية الارتفاع في تلك المناطق.
بعد مرور سبع سنوات كاملة على إطلاق المشروع، بلغت نسبة الوصول إلى شبكة الإنترنت على مستوى كوكب الأرض 93% عبر الهواتف المحمولة، الأمر الذي يشير إلى تحقيق نجاح كبير في ذلك المجال. وعلى رغم ذلك، أعلنت شركة «لوون» عن إغلاق أعمالها اعتباراً من نهاية يناير (كانون الثاني) من العام الجاري. ولكن ما الذي حدث؟
كانت التحديات كثيرة وكبيرة للغاية أمام المشروع منذ بدايته الأولى، بما في ذلك العقبات الكبيرة ذات الصلة بالتقنية، فضلاً عن ظهور وسائل أخرى منافسة تعمل على توفير الاتصال بشبكة الإنترنت عبر الهواتف المحمولة. لكن في نهاية الأمر، لم ينجح مشروع «لوون» نظراً لفشل واضح من جانب شركة «ألفابيت» في تقدير المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة الوثيقة بأعمال المشروع -بما في ذلك الأمية الشعبية في بعض المناطق، وتكاليف البيانات، وأسعار الهواتف، والتمييز الواضح– والتي لعبت دورها الكبير في إبعاد الناس عن الإنترنت بأكثر من نقصان انتشار أبراج الاتصالات الخلوية.
وفي عام 2010 أعلن مؤسسو شركة «غوغل» العملاقة عن وجود قسم للبحث والتطوير لدى الشركة يحمل مسمى «غوغل إكس»، وهو يهدف إلى تحويل العالم إلى مكان أفضل بصورة جوهرية. وكان توسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت لأولئك المحرومين منها من المشكلات المتناسبة تماماً مع حافظة أعمال القسم سالف الذكر. وكانت العوائق كما حددتها شركة «لوون» تتعلق في الأساس بالمناطق ذات الوسائل التقنية المنخفضة للغاية –مثل الأدغال، والأرخبيل، والجبال– ومن ثم، كانت مناطق مناسبة تماماً لإعمال الفكر والتطوير والابتكار.
وكانت النتيجة شبكة واي فاي البعيدة التي جرى نقلها إلى ارتفاعات بعيدة، وهي عبارة عن بالونات هوائية ضخمة بحجم ملعب التنس، تلك التي يجري التحكم فيها بواسطة أدوات الذكاء الصناعي. وكان السيد أسترو تيللر، مسؤول بالونات «مونشوت» لدى شركة «لوون»، قد منحها فرصة 1 إلى 2% من النجاح في بداية الأمر. لكن بالنسبة إلى شركة «غوغل» التي تعمل بنظام التدفق النقدي، كان العائد المحتمل للمشروع يستحق المخاطرة. ومن شأن النجاح أن يعود بفوائد اجتماعية (الوصول الشامل إلى شبكة الإنترنت)، ويسفر عن أعمال تجارية جديدة ومربحة.
كانت التجربة الكينية من الإنجازات الرائعة، ولكنها جاءت بعد فوات الأوان. وعلى مدى العقد الماضي، توسعت الاتصالات إلى النطاق العريض المحمول بوتيرة سريعة عبر الأسواق الناشئة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض التكاليف. ولكن حتى مع تجسير فجوة التغطية، ظلت «فجوة الاستخدام» قائمة ومستمرة. ووفقاً للرابطة التجارية العالمية لموفري شبكات الهواتف المحمولة، لا يزال هناك ما يقرب من 3.4 مليار شخص حول العالم يعيشون في مناطق تتوافر فيها شبكة النطاق العريض المحمولة، ولكنهم لا يستفيدون من خدمات الإنترنت على الهواتف المحمولة.
فما الذي يمنع اتصالهم بالشبكة؟ تشير الدراسات ذات الصلة على الدوام إلى أسباب الأمية، وفقدان المهارات الرقمية المعروفة. وليس من المستغرب أن كلتا المشكلتين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتأخر الحضاري. وفي عام 2019، كان متوسط تكلفة الهاتف المحمول العادي القادر على الدخول إلى شبكة الإنترنت في جنوب الصحراء الأفريقية أكثر من 120% من الدخل لنسبة 20% من أفقر سكان البلاد. كما تلعب الفوارق ما بين الجنسين دوراً مهماً كذلك. على سبيل المثال، من غير المحتمل لنسبة 51% من النساء في جنوب آسيا الاستفادة من شبكة الإنترنت عبر الهواتف المحمولة مقارنةً بالرجال، ويرجع ذلك إلى الافتقار إلى الاستقلال المالي لدى النساء، والرفض المجتمعي لاستخدامهن التكنولوجيا الحديثة في الثقافات الأكثر انغلاقاً وتقليدية.
وليس بمقدور أي شركة تكنولوجيا جبر هذه الفجوة بالكامل. غير أن ذلك لا يعني أنهم عاجزون تماماً. فإنْ كان هدف شركة «غوغل» هو التوسع في استخدام الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، يمكنها ممارسة الضغوط على الحكومات في الأسواق الناشئة بغية تقليل الحواجز التي تعيق استيراد الأجهزة الإلكترونية المستعملة منخفضة التكاليف. كما يمكنها أيضاً أن تتّبع خطى شركة «جيو بلاتفورمس ليمتد» الهندية، وتعرض الهواتف المحمولة رخيصة الثمن في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ولقد حقق هاتف «جيو فون»، المطروح في الأسواق بأقل من 20 دولاراً منذ عام 2017 أكثر من 100 مليون وحدة في المبيعات، ولقد أسهم بشكل كبير في جبر فجوة استخدام شبكة الإنترنت في المناطق الريفية والنائية في الهند.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»