كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى

كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى

كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى

 عمان اليوم -

كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى

بقلم : نديم قطيش

تُفضي حرب غزة إلى تسييس جيل كامل لم يكن منخرطاً سابقاً في تعقيدات «القضية الفلسطينية». بيد أن هذا الصراع يُرى اليوم من خلال عدسة مشوهة، بسبب درجة ونوع العنف غير المسبوقين في المواجهات الحالية. فمن يتعرفون على «القضية» الآن يتعرفون عليها عبر صراع أعنف مكونين على جانبيها؛ أي حكومة بنيامين نتنياهو، الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وحركة «حماس»، الأكثر اصطداماً بأسس المشروع الوطني الفلسطيني، أكان ذلك يتعلق بمنظمة التحرير أو معنى المشروع ومفرداته أو فهمهم لطبيعة العلاقة مع إسرائيل الآن ومستقبلاً.

وعليه فإن تقديم هذه الحرب، بكل مجرياتها القاسية، بوصفها جوهر النضال الفلسطيني، والبديل الوحيد عن المشروع الوطني لتحقيق السيادة والحقوق السياسية والإنسانية للفلسطينيين، يهدد بتشويه فهم وإدراك الجيل الجديد للقيم والأهداف الأساسية للنضال الفلسطيني. وهو سوء فهم يحمل في طياته عواقب وخيمة، على الفلسطينيين وعلى غيرهم في عموم المنطقة.

وما يفاقم تعقيدات هذا التحول الحاصل في معاني الصراع، هو التأطير التوراتي والقرآني لمجرياته من بنيامين نتنياهو وحماس. فيوم السبت الفائت وفي خطاب لافت، عاد نتنياهو إلى القرن 11 قبل الميلاد، ليقتبس من سفر صموئيل، حكاية عن صراع اليهودية مع «شعب العماليق»، مستفيداً من قسوة النص المقتبس، ليبرر وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية وما تخلّفه من ضحايا بين المدنيين الفلسطينيين. وإذا كان هذا «التحور» هو ما يصدر عن شخصية ترأس حزباً «علمانياً» كحزب الليكود، فحدِّث ولا حرج عن تديين «حماس» لكل معاني الصراع الذي تخوضه والمشروع الذي تقوده.

لا تخفى الدلالات الدينية في عنوان «طوفان الأقصى» الذي اختارته «حماس» لحربها الراهنة. يربط هذا العنوان بين الميثولوجيا الإبراهيمية «لطوفان نوح» الذي حصل بفعل قوة إلهية كاسحة، بهدف وضع حد للظلم في العالم، وبين الأقصى، كرمز ديني إسلامي، «وعد الله» المؤمنين بتحريره. هذا التأطير الديني للصراع السياسي وربطه بالسرديات الغيبية وتحويله إلى معركة وجودية هو اقتراح مروِّع للفلسطينيين والإسرائيليين وعموم المنطقة. يُضفي هذا المسار مقداراً رهيباً من القداسة على تصور الأفراد والجماعات للسياسة، ويقوّض الديناميكيات العقلانية الضرورية للتوجه نحو الحلول العملية، ويزيد من تصلب الوعي السياسي والتطرف، ويُطيل أمد الصراع والمعاناة.

معركة الوعي هذه، هي ما يعنينا خارج معارك الميدان العسكري، بغية تحرير الأجيال التي يجري تسييسها الآن، من فخ هذا التصور المشوّه للقضية الفلسطينية وعموم الصراع العربي - الإسرائيلي. إن جوهر القضية الفلسطينية، وهو النضال من أجل العدالة والدولة وتقرير المصير، مهدَّد بالاندثار وسط السردية الغيبية الدينية الرائجة الآن. ولا يساعد العنف الإسرائيلي الحالي وغير المسبوق، رداً على العنف الفلسطيني غير المسبوق بدوره، إلا على تبديد الباقي من أسس الحل السياسي.

مع ذلك، أرى أن الحرب، بأهوالها المروعة على الجانبين، أحيت الحاجة الملحّة لحل الدولتين، الذي بدا في السنوات الأخيرة كأنه طريق مسدودة ومشروع طواه النسيان. وعليه إنّ انتزاع الحل السياسي من بين حطام الصراع الدائر اليوم أمرٌ ممكن إنْ توفَّرت لدى أصحاب المصلحة، الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب والأميركيين، إمكانية توحيد الجهود والتحرك بسرعة نحو استعادة مسار السلام.

شرط ذلك هزيمة مزدوجة لبنيامين نتنياهو وتحالفه الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهزيمة «حماس»، التي أودى حكمها منذ عام 2006 بالفلسطينيين إلى الجحيم الحالي.

ليس خافياً أن نتنياهو انتهى، حسبما تشير كل استطلاعات الرأي الإسرائيلية، التي تحمِّله مسؤولية الوصول إلى الوضع الراهن. وليس لديه من رأسمال يُعفيه من المصائر التي ذهب إليها من هم أرفع شأناً منه في تاريخ إسرائيل. فغولدا مائير خرجت من معادلة الحكم والسياسة بعد حرب 1973، وكذلك حصل مع إسحق شامير بعد الانتفاضة الأولى وقبله مناحيم بيغن بعد حرب لبنان 1982.

أما «حماس»، وحسب استطلاع قبل أيام من اندلاع الحرب بينها وبين إسرائيل، أجراه الباروميتر العربي، في غزة والضفة الغربية، تبين أن سكان غزة لم تكن لديهم ثقة كبيرة في حكومتهم التي تقودها «حماس». وعندما طُلب منهم تحديد مدى الثقة التي لديهم في سلطات «حماس»، قال 44 في المائة من المستطلَعين إنهم لا يثقون بها على الإطلاق، في حين قال 23 في المائة منهم إن «ليس هناك الكثير من الثقة» لديهم. ومن غير المنطقي أن تتحسن هذه النتائج في ضوء المعاناة النازلة بالفلسطينيين، نتيجة خيارات «حماس» الأخيرة.

في هذا الصدد لا بد من التنويه إلى أن شريحة وازنة من قادة الرأي العام الإسرائيلي تحلّوا بالشجاعة لتحميل نتنياهو وسياساته مسؤولية الحرب الدائرة، في حين لم تَظهر بعد أصوات فلسطينية تحمِّل «حماس» نصيبها، لا من المسؤولية عن الحرب وحسب، بل عن رداءة حكمها وربط القضية الفلسطينية بالمصالح الجيوسياسية الإيرانية.

أتفهم قسوة ما يعيشه الفلسطينيون اليوم، لكنّ الاندماج في سردية «حماس»، حول المقاومة وطبيعة الصراع كما تقدمه وتفهمه الحركة، تحت وطأة الخوف أو المعاناة، ليس خياراً حكيماً. في أوقات الأزمات، تحتاج المجتمعات إلى قادة من نوع آخر يمتلكون القدرة على رسم مسار جديد لها وإحياء الأمل بين ناسها. يحتاج الفلسطينيون إلى أن يجاهروا أكثر بالانفصال عن الخيارات التي تحشرهم «حماس» فيها إن كانوا يرفضون ذلك. الآن هو الوقت المناسب لصوت فلسطيني جديد يعبِّر عن تطلعات شعبه بنهج أكثر واقعية.

إن حرب العقول هي ساحة معركة أهم من معارك الميدان. والسردية التي ستنتصر، تمتلك القدرة إمَّا على أَسْرِنا جميعاً في دائرة مفرغة من الكراهية والعنف الدائمين وإما على وضعنا على طريق السلام والمصالحة.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى كي لا تخطفنا «القضية» مرة أخرى



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 عمان اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 14:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab