بقلم : مشعل السديري
لمّا رجع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من الشام إلى المدينة، انفرد عن الناس ليعرف أخبار رعيته، فمرَّ بعجوز في خباء لها فقصدها، فسألته: ما فَعَلَ عمر؟ قال: قد أقبل من الشام سالماً، فقالت: يا هذا، لا جزاه الله خيراً عنّي، فقال: ولمَ؟ قالت: لأنه ما أنالني من عطائه منذ وُلِّي أمر المسلمين ديناراً ولا درهماً، فقال: وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع؟ فقالت: سبحان الله، والله ما ظننت أن أحداً يلي على الناس، ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها.
فبكى عمر رضي الله عنه، وقال: وا عمراه، كل أحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر، ثم قال لها: يا أمة الله، بكم تبيعيني ظلامتك من عمر، فإني أرحمه من النار؟ فقالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله، فقال عمر: لست أهزأ بكِ، ولم يزل حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين ديناراً، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت: وا سوأتاه، شتمتُ أمير المؤمنين في وجهه؟ فقال لها عمر: لا بأس عليك، يرحمكِ الله، ثم طلب قطعة جلد يكتب فيها فلم يجد، فقطع قطعة من مرقعته وكتب فيها: هذا ما اشترى عمر من فلانة ظلامتها منذ وُلِّي الخلافة إلى يوم كذا، بخمسة وعشرين ديناراً، ثم دفعها إلى ولده وقال له: إذا أنا متُّ فاجعلها في كفني ألقى بها ربي.
ومن مواقفه: أُحضر الهرمزان بين يدي أمير المؤمنين عمر مأسوراً فدعاه إلى الإسلام، فأبى، فأمر بضرب عنقه، فقال: يا أمير المؤمنين قبل أن تقتلني اسقني شربة من الماء، ولا تقتلني ظمآناً، فأمر له عمر بقدح مملوء ماء، فلما صار القدح في يد الهرمزان، قال: أنا أأمن حتى أشربه؟ قال: نعم لك الأمان، فألقى الهرمزان الإناء من يده فأراقه، ثم قال: الوفاء يا أمير المؤمنين، فقال عمر: دعوه حتى أنظر في أمره.
فلما رفع السيف عنه، قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله.
قال عمر: لقد أسلمت خير الإسلام فما أخّرك؟ قال: خشيت أن يقال إني أسلمت خوفاً من السيف، فقال عمر: إنك لفارس حكيم، استحققت ما كنت فيه من الملك. ثم إن عمر، بعد ذلك كان يشاوره في إخراج الجيوش إلى أرض فارس ويعمل برأيه.