بقلم : مشعل السديري
يروى أنه لما دخل هارون الرشيد إلى مكة المكرمة، وابتدأ بالطواف، ومنع الخاص والعام من ذلك لينفرد بالطواف، فسبقه أعرابي، فشق ذلك على الرشيد، فالتفت إلى حاجبه منكراً عليه، فقال الحاجب للأعرابي تخل عن الطواف حتى يطوف أمير المؤمنين، فقال الأعرابي إن الله قد ساوى بين الإمام والرعية في هذا المقام، فلما سمع الرشيد من الأعرابي تلك راعه أمره فأمر حاجبه بالكف عنه، ثم جاء الرشيد إلى الحجر الأسود ليستلمه فسبقه الأعرابي فتسلمه، فقام الرشيد حتى وقف بإزاء الأعرابي وسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال له الرشيد: يا أخا العرب أجلس ها هنا بأمرك، فقال الأعرابي: ليس البيت بيتي ولا الحرم حرمي وكلنا فيه سواء، فإن شئت تجلس، وإن شئت تنصرف.
قال الراوي: فعظم ذلك على الرشيد وسمع ما لم يكن في ذهنه، وما ظن أنه يواجهه أحد بمثل هذا الكلام، فجلس الرشيد وقال: يا أعرابي أريد أن أسألك عن فرضك، فإن أنت قمت به فأنت بغيره أقوم، وإن أنت عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز.
فقال الأعرابي: سؤالك هذا سؤال تعلم أم سؤال تعنت؟ فتعجب الرشيد من سرعة جوابه وقال: بل سؤال تعلم، فقال له الأعرابي: قم فاجلس مقام السائل من المسؤول، قال: فقام الرشيد وجثا على ركبتيه بين يدي الأعرابي، فقال: قد جلست فاسأل عما بدا لك، فقال له الرشيد: أخبرني عما افترض الله عليك؟ فرد عليه: تسألني عن أي فرض، عن فرض واحد، أم عن خمس، أم عن سبع عشرة، أم عن أربع وثلاثين، أم عن خمس وثمانين، أم عن واحدة في طول العمر، أم عن واحدة في أربعين، أم عن خمسة من مائتين؟
قال: فضحك الرشيد حتى استلقى على قفاه استهزاء به، ثم قال له: سألتك عن فرضك فتأتيني بحساب الدهر، فأجابه: سؤالك عما افترض الله علي، فقد افترض علي فرائض كثيرة، فقولي لك عن فرض واحد: فهو دين الإسلام، وأما قولي لك عن خمس فهي الصلوات، وأما قولي لك عن سبع عشرة فهي سبع عشرة ركعة، وأما قولي لك عن أربع وثلاثين فهي السجدات، وأما قولي لك عن خمس وثمانين فهي التكبيرات، وأما قولي لك عن واحدة في طول العمر فهي حجة الإسلام واحدة في طول العمر كله.
قال: فامتلأ الرشيد فرحاً وسروراً من تفسير هذه المسائل ومن حسن كلام الأعرابي، وعظم الأعرابي في عينه، وتبدل بغضه محبة.