بقلم : مشعل السديري
من الروائع التي رويت في جهاد المسلمين مع الروم ما ذكره الإمام الطبري من خبر قائد المسلمين حبيب بن مسلمة الفهري، وقد جاء في الخبر، وكان حبيب صاحب كيد، فأجمع على أن يبيت الموريان – قائد الروم - فسمعته امرأته أم عبيد الله بنت يزيد الكلبية يذكر ذلك، فقالت له: فأين موعدك؟ قال سرادق الموريان أو الجنة، ثم بيّتهم فقتل من أشرف له، وأتى السرادق فوجد امرأته قد سبقت، وكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق، ومات عنها حبيب، فخلف عليها الضحاك بن قيس الفهري فهي أم ولده.
وقد عبر حبيب عن النصر على الأعداء بالوصول إلى سرادق الموريان باعتبار أن الوصول إلى مقر القائد يعني هزيمة الأعداء، وقد جعل لزوجته موعداً في الدنيا إن انتصروا على الأعداء، وهو اللقاء في مقر قيادة جيش الأعداء، وجعل لها موعداً في الآخرة إن ظفر بالشهادة، وهو اللقاء في الجنة.
وهذا دليل واضح على أن من صفات الجيل الأول أنهم يجعلون هدفهم إحدى الحسنيين، إما النصر على الأعداء، وإما الظفر بالشهادة، وما قام به حبيب بن مسلمة دليل على براعته في التخطيط، حيث فاجأ الأعداء بذلك الهجوم الليلي المباغت، وهو مثل على تفوق المسلمين الحربي، ولم يكن الأعداء على مستوى المسلمين في الحذر والرصد الحربي، فلذلك وقع الروم في الفشل وانهزموا.
أما امرأة حبيب فإنها كانت مثالاً للمرأة المؤمنة الشاعرة بمسؤوليتها أمام زوجها وأمام واجبها نحو أمتها، فقد كانت مشاركة لزوجها في مشاعره وأفكاره وتخطيطه في أهم عمل يقوم به في حياته، وهو جهاد الأعداء.
ولا شك أن سؤالها عن موعد اللقاء، وجواب حبيب لها يدلان على مشاركة سابقة في تصور طموحاته ومراحل عمله، وإذا كانت المرأة ذات كفاءة، وشاركت زوجها في المشورة والتشجيع والمؤازرة فإن إنتاج زوجها يكون مضاعفاً، لأنه سيعيش في نطاق عمله ليل نهار.
وإذا كانت المرأة وهي التي تتَّصف عادة باللين وإيثار السلامة والبعد عن المخاطر، هي التي تدفع بزوجها – كهذه المرأة - إلى اقتحام الأهوال والدخول في المغامرات، فإنها امرأة عظيمة حقاً، ولا شك أن زوجها سيكون مندفعاً لذلك بطاقته المعتادة، مضافاً إليها ما ناله من تأييد وتشجيع من الجانب الذي ينتظر منه ضد ذلك.
ولقد كانت هذه المرأة عظيمة أيضاً حينما لم تكتفِ بتشجيع زوجها ودفعه إلى بذل كل ما يملك من جهد في قتال الأعداء.