بقلم : مشعل السديري
يقال قديماً: إنه ليس هناك أحد يضاهي (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه، بسرعة البديهة والفراسة المقترنة بالحجة، وإليكم النزر اليسير من ذكائه وبعد نظره.
يقال: إن هناك رجلاً أكثر الثناء على علي بلسان لا يوافقه القلب، فقال له: (أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك)، ومنه: قال رجل من اليهود لعلي بن أبي طالب: ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال علي: أنتم ما جفت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم: (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة).
وقد قضى علي رضي الله عنه في مولود ولد له رأسان وصدران في حقو واحد، فقالوا: أيورث ميراث اثنين أم ميراث واحد؟ فقال: يترك حتى ينام، ثم يصاح به، فإن انتبها جميعاً كان له ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقي الآخر كان له ميراث اثنين.
ومنه: خاصم غلام من الأنصار أمه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجحدته، فسأله البينة فلم تكن عنده، وجاءت المرأة بنفر فشهدوا أنها لم تتزوج، وأن الغلام كذب عليها وقد قذفها، فأمر عمر بضربه، فلقيه علي رضي الله عنه فسأله عن أمرهم فأخبر، فدعاهم ثم قعد في مسجد وسأل المرأة فجحدت، فقال للغلام اجحدها كما جحدتك والحسن والحسين أخواك، قال: قد جحدتها وأنكرتها، فقال علي لأولياء المرأة: أمري في هذه المرأة جائر، قالوا نعم وفينا أيضاً، فقال علي: أشهد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم، فأتاه بها فعد أربعمائة وثمانين درهماً فدفعها مهراً لها، وقال للغلام: خذ بيد امرأتك ولا تأتنا إلا وعليك أثر العرس، فلما ولّى قالت المرأة: يا أبا الحسن، الله الله هو النار هو والله ابني، قالت: وخرج الرجل غازياً فقُتل وبعثت بهذا إلى حي بني فلان فنشأ فيهم، وأنفت أن يكون ابني، فقال علي: أنا أبو الحسن، وألحقه بها وثبت نسبه.
ومن ذلك أن عمر بن الخطاب سأل رجلاً: كيف أنت؟ فقال: ممن يحب الفتنة ويكره الحق، ويشهد على ما لم يره، فأمر به إلى السجن، غير أن علي قال: يحب المال والولد، وقد قال تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، ويكره الموت وهو حق، فأمر عمر رضي الله عنه بما قاله (أبو تراب) – وهي الكنية التي أطلقها رسول الله على (أبي الحسن) - رضي الله عنه.