رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية

رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية

رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية

 عمان اليوم -

رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

غادرنا ليلة البارحة قامة خاصة، لها مقاسها الإنساني والسياسي الذي لا يضاهيه فيه إلا قلة من أهل زماننا. جان عبيد الذي اجتمعت فيه لبنان بكل أطيافها السياسية والثقافية وامتدادها العربي التاريخي المتوسطي والعالمي. جمعتنا قربى الأبجدية على مائدة اجتماعات وزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية. ليبيا ولبنان الأبجدية، أضاف لهما جان عبيد قربى من نوع آخر. هو وزير جمعت بيني وبينه خيوط من الحروف التي نسجها أبو الطيب المتنبي، الذي يعيش في عقل الوزير عبيد وقلبه ولا يغيب عن لسانه. قبل أن ندخل إلى قاعة الاجتماع بالجامعة العربية، ندخل إلى مكتب الأمين العام ونجلس في صالونه، حيث يتبادل الوزراء أحاديثَ ودية، ويحرص الراحل أن يجلس بجانبي نتحدث في الأدب والتاريخ وحول آخر ما صدر من الإبداع العربي. بالطبع لا تغيب الهموم السياسية العربية، وهي لا تتناقص، بل تزداد تعقيداً واتساعاً كل يوم. جان عبيد له ترمومتر الزمان الذي لا يطاله التقادم. يرى كل ما يدور بعين عربية، ويلامسه بعقل السياسي العروبي الذي يتفاعل في داخله غضب يذكيه الألم، ويقدح الأمل فيه سقط الزند الذي يلوح منه الأمل.
في كل اجتماع هناك جدول الأعمال الذي يعده المندوبون العرب بالتعاون مع الأمانة العامة للجامعة، وعادة ما يتناول القضايا الراهنة ولا تغيب عنها القضية الفلسطينية وبعض المستجدات العربية والدولية. نتبادل الملاحظات والرأي مع جاري في الأبجدية الذي تجمعني معه قربى الأدب والشعر، والمتنبي الذي يحفظ الوزير جان عبيد مطولات قصائده، ولا يمل من استحضار أبيات من قصائده للتعليق على ما يقال. مثلاً علق على ما قاله أحدهم كاتباً لي على ورقة أمامه:
وكل شجاعة في المرء تُغني... ولا مثل الشجاعة في الحكيمِ... وكم من عائب قولاً صحيحاً... وآفته من الفهم السقيم... ولكن تأخذ الآذان منه... على قدرِ القرائح والعلومِ.
الزملاء وهم يلاحظوننا نتبادل الأوراق بيننا، يعتقدون أن هناك تنسيقاً وتشاوراً بين لبنان وليبيا في القضايا المطروحة، وهم لا يعلمون أن لنا فيلسوفاً شاعراً يجلس غير مرئي بيننا هو أبو الطيب المتنبي. مرة في جلسة العشاء قال أحد الزملاء الوزراء، أرى تقارباً خاصاً بين ليبيا ولبنان، قلت له، إنها صلة الرحم الأبجدية التي أذكاها شاعرنا جميعاً.
رحل رجل كان شجرة أرز لبنانية فريدة. كل غصن فيها كتاب فلسفة وديوان شعر يطوف حولها نسيمٌ عربي ملهم. عندما تُكتب القرارات أو البيانات تكون لنا وقفة نحوية على ما كتب، وكذلك الحبكة اللغوية التي تعبر عن حقيقة المضمون. اليوم فقد العربُ ضميراً ولاؤه لعروبته وعقله قوة سياسية وفكرية تمتلك رؤية لها بعد خاص، لا يفصل أبداً بين ما هو لبناني وعربي، وهو كذلك في كل شيء. القرآن الكريم حاضر وكذلك الحديث النبوي الشريف، وعن التاريخ العربي فهو الموسوعة، وفي السياسة فهو الواقعي الذي يعرف ما يريد، وماذا نستطيع أن نحققه على الأرض.
في يوم رحيله أنا أتحدث عن ما عرفته فيه بحكم المكان والمناسبات التي جمعتنا. المحفل كان دائماً سياسياً، لكن الجوار والقربى الأدبية والعربية، جعلت له في نفسي مكاناً خاصاً. اليوم والألم شاخص والحزن له حضور، لا يختلف كل من عرفه على أن الفقيد نجم لامع غاب عن سمائنا العربية. خطفته يد الوباء التي تمتد إلى البشر ولا توفر النجوم التي تلمع في سماء عربية يغشاها ظلام الكوارث، ويسيل على أرضها دمُ الاحتراب. لقد كان الراحل بيت القصيد العربي سياسياً وفكرياً وأدبياً. أجمع زملاؤه على حبه واحترامه رغم الخلافات التي لا تغيب. من مشرق البلاد العربية إلى غربها يقبلون عليه. له حواره الودي الدائم مع أمين عام الجامعة الأسبق عمرو موسى، وملاطفته التي لا يغيب عنها الشعر مع وزير خارجية المغرب الأسبق المثقف والأديب محمد بن عيسى، وأحاديثه الودية الطويلة مع صديقه الحميم الراحل سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، ومع يوسف بن علوي حكيم السياسة العمانية وزير خارجيتها الأسبق. فعلاً لقد كان جان عبيد بيت القصيد العربي سياسياً وأدبياً وفكرياً.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab