الفرق بين «المفكر» و«المفكر حاله»

الفرق بين «المفكر» و«المفكر حاله»!

الفرق بين «المفكر» و«المفكر حاله»!

 عمان اليوم -

الفرق بين «المفكر» و«المفكر حاله»

بقلم : حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

للفيلسوف اليوناني الأشهر سقراط مقولة مشهورة جداً قال فيها: «تكلم حتى أراك»، والمعني فيها هنا أن المرء بما يقوله فهو بذلك يوضح ويفصح عن نفسه بشكل جلي تماماً. الكلمات هي أكثر من مجرد سطور، فكما قيل في الأثر فإن بعض الكلمات من نور وبعضها قبور. وتزداد مسؤولية المتكلم بحجم المنبر الذي يعتليه لما فيه ذلك من تأثير عريض في المتلقي.
يتداول المجتمع الصحافي العربي منذ أيام واقعة إيقاف مقدم برامج في إحدى الفضائيات المصرية، لحين التحقيق معه، ولذلك بسبب إهانته منطقة الصعيد ونسائها تحديداً، وهو الأمر الذي ولّد حالة من الغضب الكبير لدى شرائح مختلفة في المجتمع. وبدأ سجال ونقاش الأطراف المختلفة التي تفاعلت مع القضية، وخصوصاً بين فريقين؛ الأول الذي تبنى حرية الرأي والكلمة، والثاني الذي دافع عن حماية المجتمع ورفض التنمر والعنصرية ضد أي طيف من أطيافه.
وفي العديد من مجتمعات الشرق الأوسط التي تعتبر فاعلية القانون والعدالة ليست بالمستوى المأمول، وبالتالي فإن أي خرق لقواعد الاحترام الموجودة بين عناصر المجتمع الهشة لا بد من التعامل معه بشكل صارم وحازم. التساهل ومن ثم القبول ومن بعد ذلك التعود مع نماذج السخرية المختلفة في التعليقات المنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو خلال الأعمال التلفزيونية هي في واقعها لا تختلف عن واقعة مقدم البرامج المشار إليه. ولكن ما دامت الثقافة السائدة هي أن «الكلام لا جمرك عليه» وتعود الناس على عدم تحمل مسؤولية ما يقولونه، فسيكون من المنتظر دوماً وجود النموذج «العنتري» الراغب في رفع السقف في الإسفاف الممكن ضد الغير. ولذلك أصبح من العادي جداً انتشار الخطاب المتنمر والكريه إزاء الأديان والطوائف والمذاهب والمناطق والمدن والبلدان المختلفة حتى يصبح الأمر برمته مسألة طبيعية ومن صميم المفردات العامة المقبولة.
العنصرية تولد التنمر، والتنمر يوصل إلى الكراهية، والكراهية تؤدي إلى التمزق الاجتماعي بأكمله. العنصرية لا تزال السر القبيح الذي يخاف ويخجل الحديث عنه الجميع. يخشون ويترددون جداً في الاعتراف بوجود العنصرية ويرفضون التعمق في كيفية التعامل معها، ولذلك بقيت وسائل مواجهتها وأساليب التعاطي معها أشبه بمن يواجه الوحش بقفازات ناعمة من الحرير الخالص. ولكن هناك شيئاً ما يحدث وشيئاً ما يتحول، فاليوم العالم العربي بات جزءاً عملياً ومشاركاً من منظومة العالم كله، ولا بد أن يكون الجميع على ذات الصفحة من كتاب القيم والمنظومات الأخلاقية والقوانين التي يحترمها العالم ويلتزم بها، والجيل الجديد الذي يمثل الوجه الشبابي من هذه المنطقة، يدرك أن بعض الأعراف القيمية التي بنيت عليها معايير تقييم الآخر المختلف باتت بشكل أو بآخر مجرّمة عالمياً، وهو الذي بدأ يحفز مؤلفين ومفكرين للدخول في مواضيع شائكة لفضح الإجرام التراكمي الذي كان يتم بإبقائها جزءاً من التراث. وهذا ما لفت نظري وأنا أقرأ الكتاب الجديد والمميز للكاتب الكويتي هشام العوضي الذي اختار له عنواناً مثيراً وذاتي الشرح: «تاريخ العبيد في الخليج العربي»، ويدخل فيه بعمق تاريخي واجتماعي واقتصادي في موضوع كان من المحظورات والممنوعات.
لم يكن غريباً الاستماع إلى عبارات عنصرية بغيضة في ملاعب كرة القدم أو ترديد قصص رفض تعيين موظف أو رفض عريس بسبب «خلفيته»، وكل هذه النماذج ما هي إلا أدوات ووسائل عنصرية مقيتة. فرق كبير بين من يتحمل تماماً مسؤولية فكره وأفكاره وبين من يسعى لاستعراض عضلاته المسمومة ويبث الخبائث في صفوف المجتمع. ولعل أفضل توصيف ساخر للحال الذي وصلت إليه السجالات الاجتماعية هو ذلك الذي قاله لي أحد الأصدقاء الذي قارن بين مقولة سقراط: «تكلم حتى أراك» وبين مقولة أحدهم التي تقول «قوم أوقف وانت بتكلمني».
المجتمعات المتنوعة تضيف ثراء غزيراً لمكوناتها ولكنها تبقى هشة وقابلة للكسر إذا لم يتم حماية كافة أطيافها بقوة العدالة وحماية القانون بشكل يوفر السوية والمساواة التامة.. وقتها تتحول الدول إلى أوطان.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفرق بين «المفكر» و«المفكر حاله» الفرق بين «المفكر» و«المفكر حاله»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab