بقلم : حسين شبكشي
مع متابعة الأحداث السياسية والأخبار المتلاحقة عنها، وخصوصاً تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، يتضح بشكل واضح وجلي عودة روسيا إلى المنطقة بشكل أوسع وفي مناطق جغرافية لم تكن من ضمن مناطق نفوذها واهتماماتها التقليدية.
روسيا التاريخية كانت دوماً ما ترغب في موضع قدم مؤثر في منطقة الشرق الأوسط منذ القدم، وصارعت في ذلك المبتغى قوى استعمارية قوية ومهمة وتقليدية كبرى، مثل فرنسا وبريطانيا وتركيا والبرتغال وإيطاليا والولايات المتحدة في حقب زمنية مختلفة. وهذه الفكرة اللافتة والمهمة استعرضها بشكل معمق ودقيق الدكتور ناصر زيدان في كتابه المميز الذي اختار له عنواناً لافتاً وهو «دور روسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بطرس الأكبر إلى فلاديمير بوتين»، وفيه يستعرض المحطات المهمة والمؤثرة في تاريخ السياسة والدبلوماسية الروسية مع منطقة الشرق الأوسط، متضمناً الحقبة السوفياتية بطبيعة الحال.
وهناك جهد آخر لا يقل أهمية، قام به الثلاثي نوار جليل هاشم، وحيدر علي حسين، وأمجد زين العابدين طعمة، في كتابهم القيم «الاقتراب الكبير... روسيا في الشرق الأوسط»، ويقدمون فيه جرداً سياسياً لمواقف الروس في المنطقة، متضمناً الشؤون الحربية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.
وهناك أيضاً كتاب يقدم وجهة النظر الروسية من داخل المطبخ السياسي، مؤلفه المستشرق الروسي أليكسي فاسلييف، وهو بعنوان «من لينين إلى بوتين... روسيا في الشرق الأوسط والأدنى»، وقد قضى المؤلف نصف قرن في استعراض محطات السياسة الروسية في المنطقة وأسباب القرارات فيها. والكتاب يقدم نافذة فريدة ومهمة على الداخل السياسي الروسي، منذ خطأ الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في تخليه عن الشعب السوري بعد اعتداء نظام الأسد عليه بالأسلحة الكيماوية، متجاوزاً الخطوط الحمراء التي رسمها أوباما للأسد، وحماية الروس لحليفهم، وشهية الروس متزايدة لتكون دولة مؤثرة في المنطقة، وخصوصاً في المناطق الملتهبة في ليبيا واليمن وسوريا. فللروس ثقل تقليدي كبير مع هذه الدول نتاج علاقات قديمة ومترابطة ومتشابكة جداً على أصعدة كثيرة ومختلفة في المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية عبر عقود مختلفة من الزمن. هذا بالإضافة للعلاقة الثقيلة والمميزة التي تربط روسيا بالنظام الإيراني منذ القدم، فإيران تاريخياً تعتبر ضمن الحزام الإقليمي للأمن الوطني الروسي. ولذلك تأتي زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى المنطقة بمثابة الحدث المهم واللافت، فأجندة المباحثات حافلة بكم هائل من النقاط الملتهبة كالتعاون الاستراتيجي في المسائل الأمنية والعسكرية والاقتصادية والحث على التعاون مع الروس في إنهاء أزمات ليبيا واليمن وسوريا (المسألة اللبنانية تبدو أكثر تعقيداً لارتباطها بالانتخابات الرئاسية في إيران). والدور الجديد لروسيا في المنطقة كان دوماً الحلم الذي يداعب مخيّلة لافروف، كما أظهر ذلك بنفسه في كتابه الشخصي الأخير بعنوان «نحن شعب مهذب... تأملات في السياسة الخارجية الروسية».
وهناك كتاب آخر تعرض لذات المسألة بشكل سلس ومثير، هو «السياسة الخارجية الروسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين» من تأليف حسني العوضي.
روسيا باختصار تعتقد أنها أمام فرصة تاريخية للعودة والبقاء في الشرق الأوسط في ظل انحسار الاهتمام الكافي بالمنطقة من قبل الولايات المتحدة والمعسكر الغربي عموماً، بل إن روسيا تروّج عن طريق اللوبي اليهودي الروسي الموجود في إسرائيل أنها وحدها التي سيكون لديها القدرة الكاملة على إخراج وإتمام عملية السلام الكاملة والتطبيع التام بين كل من سوريا وإسرائيل، وهي بدأت في اتصالات أولية لإتمام ذلك.
هناك أوراق كثيرة تلعب بها السياسة الروسية للتأثير على مناخ التقارب الدافئ معها في المنطقة؛ ورقة الكنيسة الأرثوذكسية، وورقة النفط والغاز، وورقة الصندوق الاستثماري الروسي، وورقة اللقاح الخاص بجائحة «كوفيد 19»، وورقة الأمن السيبراني التي تتميز فيها، وطبعاً هناك الدبلوماسية الروسية وقدرتها على إحداث التغيير والتأثير على أطراف في المنطقة، وأخيراً هناك ورقة السلاح والقدرات العسكرية المتطورة والمنافسة.
من المهم حسن استغلال الشهية الروسية المنفتحة على المنطقة، لتحقيق أعلى المنافع والعوائد السياسية وتقدير نقاط القوة وكذلك نقاط الضعف لديها، حتى يبقى سقف الطموحات والتوقعات واقعياً، ويتم تحقيق العوائد القصوى من هذه العلاقة المهمة.