إنكار الثورة القيمية

إنكار الثورة القيمية

إنكار الثورة القيمية

 عمان اليوم -

إنكار الثورة القيمية

بقلم - آمال موسى

 

دائماً هناك شيء ما ناقصٌ، ولكننا لا نولي عنايةً لمعرفة هذا الشيء الناقص. إنه ليس الفضول فقط الذي يفرض تحديدَ هويةِ هذا الشيءِ الناقص في مشاريعِنا ومنجزنا في الفضاءِ العربي الإسلامي بشكل عام، بقدر ما هو جهد من الحتمي بذله لمعالجة هذه الإعاقة شبه الدائمة والثابتة في كل ما نقوم به.

قد نختلف في جودة الجهود المبذولة في بلداننا، ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك تراكماً ومساعيَ وإرادات ومجهودات على الأقل من تاريخ النصف الثاني من القرن الماضي حتى الآن، دون أن ننكر ما قبل ذلك من معارك تحرير وطني مهمة دونها، كان يمكن أن تظل بلداننا تحت الاستعمار حتى الساعة.

الجهود قائمة الذات والنتائج ظلت عرجاء.

أول ملمح في هذا الشيء الناقص أنه هيكلي وليس عارضاً، بدليل أنه يجعل من كل ما نقوم به ناقصاً ومبتوراً وضعيف الأثر.

في مقابل ذلك، نرى أن الأمم التي عانقت التقدمَ الفعلي هي تلك التي اشتغلت على الإنسان وأحدثت في داخله ثورة قيمية وأخلاقية عميقة جداً، وأعادت ترتيب العقل والذاكرة والضمير والوجدان قبل أن تركب في القطار الذي سيأخذها نحو التقدم. لنقرأ كتابات ماوتسي تونغ مثلاً سنعرف السّر الذي جعل العالم اليوم يتحدث عن الصين كقوة أساسية في عالم القرن الراهن. هذه التجربة وغيرها في تجارب الأمم المتقدمة تؤكد أن رأسمال أي تجربة تقدم هو الإنسان. بل إنه المحرك الضامن لسيرورة الأفكار والأهداف على النحو الذي يجب.

بالنسبة إلينا لم ندخر جهداً مع تفاوت طبعاً في القيام بتجارب تحديثية بمجتمعاتنا، وبذلت النخب جهداً في صياغة تصور لتحقيق النهضة العربية والتقدم وتحقيق الذات العربية والإسلامية في موازين قوى العالم اليوم. وكانت الأسئلة التي نحوم حولها دائماً: كيف نلتحق بالغرب؟ كيف نحفظ هويتنا من الذوبان والتلاشي؟ كيف نتصدى للعولمة؟ كيف نبني دولاً وطنية مستقلة؟ كيف نتعاطى مع الحداثة؟ كيف نقيم التمايز بين الخصوصية والكونية؟ كما كان الدين الإسلامي حاضراً بقوة في هذه الأسئلة؛ سواء في علاقته بالدولة أو المجتمع أو مشروع الحداثة نفسه.

أسئلة كثيرة أجيب عنها، في حين أنَّ أبسط الأسئلة وأكثرها ضرورة سكتنا عنها: كيف نعيد بناء الإنسان في مجتمعاتنا؟ كيف نهيئ الإنسان العمود الفقري للتقدم حتى نضمن النجاح والديمومة والتراكم لتجربة التقدم؟

لقد فكرنا في التقدم ولم نفكر ما إذا كانت الملامح القيمية والثقافية للإنسان في مجتمعاتنا تمكنه من أن يؤسس لفعل تقدمي تأسيسي. لذلك ظلت كل المجهودات منقوصة وضعيفة البنيان ومهددة في كل لحظة بالتراجع.

إنَّها الثورة القيمية التي لم تحدث بعد، دونها كل شيء يظل ناقصاً، والأخطر من النقصان أنه يظل رخواً وضئيل الصلابة. لذلك فإنه لا شيء يمنع اليوم في بلداننا من تهديد مكاسب ما والعودة إلى الوراء بجرة قلم في صورة حصول أي منعرج. والقوة الوحيدة القادرة على صد كل التهديدات الممكنة هي البناء العميق للإنسان المعني بالتصدي للتهديدات وللامتحانات بينه ونفسه والآخر.

إن مرحلةَ بناء الإنسان وإحداث ثورة في داخله مرحلة لا غنى عنها كي نضمن السير في الطريق الصحيحة، ونحن قصرنا في هذه العملية ولم نمنحها حق قدرها وانشغلنا بالتقدم وأهملنا فاعل التقدم وحارسه والمدافع عنه.

لا معنى لأي تشريعات غير محصنة بالإنسان. ولن تهنأ النساء بالمكاسب التشريعية، إلا إذا تم بالفعل صهر عقل الإنسان العربي والمسلم بشكل يكون الجميع نساءً ورجالاً مدافعين شرسين وصارمين ضد منعرجات أهل الردة والتخلف الذين لا يكاد يخلو منهم أي عصر.

لذلك فإنَّ المؤسسات الصانعة للمضامين والناقلة والغارسة لها، مثل المؤسسات التربوية ودور النخب ووسائل الإعلام والأسرة، كلها مؤسسات فاعلة، ولا بد من توفير مضمون قيمي لها تنخرط فيه كل المؤسسات التي ستكون آليات تنفيذه من أجل بناء إنسان يؤمن بالعمل ويقدسه، ويعي معنى الاستحقاق وتقدير الجهد والحيلة في ترك الحيل وقدسية الصدق والإخلاص في القول والفعل... هكذا نقضي على التواكل والفساد وسرقة جهد الغير والشكلانية.

أمامنا طريقان للقيام بالثورة القيمية: الزعامة السياسية التي تنفخ في روح المجتمع وتسخر كل الأدوات لمشروع إعادة بناء الإنسان الصالح لقيادة قطار التقدم أو التعويل على النخب، وانتظار ثورة قيمية تكون نتاج خيبات وإخفاقات تصنع الوعي المطلوب.

المهم لا تقدم دون ثورة قيمية.

omantoday

GMT 19:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 19:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

GMT 19:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: بدء موسم المبادرات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنكار الثورة القيمية إنكار الثورة القيمية



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 عمان اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 عمان اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 21:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 عمان اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 عمان اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
 عمان اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab