التكلفة الباهظة للفقر

التكلفة الباهظة للفقر

التكلفة الباهظة للفقر

 عمان اليوم -

التكلفة الباهظة للفقر

بقلم:د. آمال موسى

عادة ما تكون مبرّرات الإخفاق في مواجهة ظاهرة الفقر والقضاء عليها ذاتَ بعدٍ مادي: نقص الاعتمادات وضعف الموارد وضعف الاستثمار والتشغيل. وهي مبررات مقنعة إلى حد كبير إذا ما تعاملنا معها وفق المنوال الكلاسيكي لمقاربة الأشياء.

ولكن هناك أسئلة وأجوبة تحتاج إلى إعادة صياغة، ومن ثم استنتاجات جديدة، من ذلك: هل تفكر بلدان العالم التي تعاني من هذه الظاهرة، وكم هي كثيرة، في حصر تكلفة الفقر وتوصيفها. أغلب الظن أنَّها تكلفة باهظة جداً. فالفقر تكلفته بملايين المليارات وهو ما يستدعي بالفعل طرح هذا السؤال لأنَّه سؤال يمس فلسفة المقاربة ومنهجيتها.

بل إنَّه كما تفطن العالم من خلال بعض البلدان إلى إطلاق دراسات نوعية مهمة لتحديد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للعنف ضد المرأة، فإنَّه سيكون من المجدي أيضاً التفكير جدياً في إطلاق دراسات في هذا المنحى حول تكلفة الفقر سواء التكلفة الاجتماعية أو الاقتصادية، وبلغة أخرى: كم تنفق البلدان التي تعاني من الفقر على الفقر.

إذن، هنا نسجِّل تحولاً في الفهم لمعضلة الفقر. الفقر بوصفه نتيجةً وليس سبباً. وهو ما يقتضي قلب عملية التفكير برمتها. ذلك أنَّ الفقر هو نتاج عدم الاعتراف بالفقر وهو فقير قبل أن يصبح فقيراً.

السؤال بكل بساطة هو: كم ينفق العالم على الفقر أولاً وعلى تداعياته؟

لنبدأ بالميزانيات التي تخصصها الدول للفقراء والمحتاجين والذين يعيشون في خصاصة. إنَّها اعتمادات مهولة جداً وبحساب الفقير الواحد هي زهيدة جداً لأنَّ عدد الفقراء كبير وفي ازدياد من سنة إلى أخرى. وهذا ما يؤكد أنَّ كل ملايين المليارات التي تصرف في شكل مساعدات لطرد الجوع ومقاومة البرد ليست ذات شأن، رغم ما تمثله على الدول من إرهاق ونزف. المشكلة في أنَّها اعتمادات دون عائد وليست من أجل الاستثمار.

طبعاً لا توجد دولة مهما كانت غنية دون فقراء، ومن واجب الدول ألا يموت الفقراء جوعاً، لأنَّ كل فقير له حق في وطنه ويتقاسم ملكية الوطن.

فالمشكل هو كيف تنجح الدول في وضع أنظمة حياتية، ومنوالٍ تنموي لا يقصي أحداً ويعترف بالجميع، والاعتراف يضمن الحد الأدنى من العيش اللائق والعمل اللائق.

إذن، الفكرة الأولى هي كيف تصبح الدول غير مجبرة اجتماعياً وإنسانياً وأخلاقياً وحقوقياً على تقديم المساعدات للفقراء؟ وطبعاً الإجابة واحدة لا ثاني لها: بالقضاء على الفقر ينقطع نسل الفقراء، ومن ثمّ لن تُرصد لهم، بحكم انعدام وجودهم، اعتمادات وميزانيات ضخمة.

لنأتِ إلى الفكرة الثانية: تكلفة الفقر من ناحية تداعياته. ذلك أنَّ الفشل الدراسي والانقطاع عن الدراسة لأسباب اقتصادية لهما تكلفة باهظة يدفعها المجتمع. فالطريق نحو الانحراف والجريمة مفتوحة على مصراعيها أمام هؤلاء وغيرهم. ناهيك عن أنَّ الذين لا يُعترَف بهم اقتصادياً ولا تقوم الدول بفتح قنوات إدماج لهم في الدورة الاقتصادية سيكونون لقمة سائغة للتطرف والجريمة والعنف والإحباط والاحتقان... وعندما نتطرق إلى تكلفة تداعيات الفقر فإنَّ لا دولة قادرة على تحديدها على نحو واقعي، لأنَّ ذلك يستدعي حتى احتساب ما تخسره الدول جراء العنف والإرهاب في كل المجالات.

المؤكد أنَّ التكلفة باهظة إلى حد لا يمكن احتسابه بالأرقام. والجهد الذي سيضيع في تحديد تكلفةٍ لن تكون دقيقةً مهما كانت دراسة التكلفة دقيقةً، من العقلانية أن يذهب إلى التفكير في معالجة ذات جدوى لتلك التداعيات. وهنا تكون الحاجة إلى وضع خطة تنفيذية خاصة بكل دولة حول كيفية معالجة تداعيات الفقر، إذ إنَّ في هذا التمشي تضييقَ الخناق على آفة الفقر، وأيضاً معالجة للأسباب من خلال مداواة التداعيات.

لا بد من برامج تنمية اجتماعية عالية المنهجية والأولوية والجدوى: كيف نضمن الحق في التربية والتعليم للجميع دون استثناء؟ كيف نقضي على الانقطاع المبكر للأطفال عن الدراسة؟ كيف ندعم قدرات الأولياء معرفياً واقتصادياً لتأمين الحد الأدنى من حاجيات أطفالهم؟

كيف نربي أطفالنا على الطموح، ونبذ المستحيل، وفكرة الممكن، والحلم، والمثابرة، وتقدير الجهد، وتقديس العمل؟

هكذا يتم التخفيض من الفاتورة الباهظة للفقر وتداعياته، وما تنتج عنه من مشاعرَ سلبية وأفكار دونية انتقامية سادية.

المجد للتربية والتعليم، المجد للعمل، المجد ليدٍ لا تُمدّ.

omantoday

GMT 19:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 19:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

GMT 19:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: بدء موسم المبادرات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التكلفة الباهظة للفقر التكلفة الباهظة للفقر



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 عمان اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 عمان اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 21:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 عمان اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 عمان اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
 عمان اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab