كبار السن وعصرنا المتسارع

كبار السن وعصرنا المتسارع !

كبار السن وعصرنا المتسارع !

 عمان اليوم -

كبار السن وعصرنا المتسارع

بقلم:د. آمال موسى

هل يتعرَّض المسنُّون إلى الإساءة والعنف أو أنَّهم يخضعون إلى تعامل خاص باعتبار أنَّ مختلف الثقافات تاريخياً توليهم الهيبة والتقدير والتبجيل؟

نطرح هذا السؤال لأنَّ بيانات منظمة الأمم المتحدة تفيد بأنَّ واحداً من كل ستة مسنين تعرَّض لشكل من أشكال الإساءة في المجتمع الذي ينتمي إليه في السنة الماضية.

طبعاً يحق لنا الاستغراب، لأنَّ كل التركيز، خاصة منذ جائحة الكوفيد إلى اليوم، على النساء، مع تزايد ظاهرة العنف، وصولاً إلى ارتفاع حالات قتل النساء. كما أنَّ التركيز على العنف في العلاقة بالأطفال يستأثر بالاهتمام، الشيء الذي جعل فئة المسنين خارج دائرة التوقع.

وفي هذا السياق من المهم توضيح أنَّ التركيز على العنف ضد النساء والأطفال يعود إلى كون هذا العنف له مستندات ثقافية مع الأسف تبرره.

فغالبية الثقافات مرَّت في تاريخها بمظاهر تعنيف النساء بأشكال مختلفة من منطلق أن الثقافات الذكورية الطابع والتاريخ تضع المرأة في مرتبة دونية على الأقل في بعض المسائل والقطاعات، إضافة إلى أنَّ العنف المتناول ليس بالضرورة عنفاً جسدياً مادياً. فالعالم اليوم يتحدث عن العنف بأشكاله المختلفة سواء أكان عنفاً معنوياً أو اقتصادياً أو جسدياً، الشيء الذي يجعل من هذا الموضوع يحتل النصيب الوافر من الاهتمام والتركيز والمناصرة لمناهضته، بعدّه أكثر المواضيع جلباً لاهتمامات المجتمع المدني والجمعيات حتى إنه صار من مؤشرات تقييم أداء النخب السياسية ومن شروط الدعم الدولي.

وفيما يخصُّ الأطفال؛ فإنَّ التركيز حول ظاهرة تعنيفهم إنَّما تستند إلى مقاومة لأساليب التربية القديمة التقليدية التي ترى في العقاب الجسدي مقاربة ذات جدوى، وأنَّ تربية الأطفال تستوجب قدراً من العنف الجسدي. لذلك فإنَّ المطروح على المجتمعات اليوم هو إعادة بناء نسق كيفية تربية الأطفال، واعتماد أنموذج جديد يقاطع ثقافة الضرب أو تعنيف الطفل لفظياً. وهكذا نفهم الجهد اللازم لنقل ثقافة جديدة وغرس منوال مغاير للتقليدي في تربية الأطفال.

وفي كلتا الحالتين، سواء تعلَّق الأمر بالأطفال أو المرأة، فإنَّ هناك رواسب ثقافية، وهذا هو جوهر عمليات التوعية ونشر الوعي بحقوق الإنسان والانتصار للفرد والطفولة والمساواة بين الجنسين.

الصادم أنَّ حالات الإساءة إلى كبار السن التي بدأت تعرف تزايداً في السنوات الأخيرة تقوم على موروث ثقافي إنساني يولي من تاريخ بداية المجتمعات اعتباريةً عالية لكبار السن؛ فهم من بيدهم السلطة الاجتماعية، وهم الحكماء.

في العصر الحديث ومع بداية التخلي عن أنموذج العائلة الممتدة، والأخذ شيئاً فشيئاً بأنموذج العائلة النواة تراجعت مكانة كبار السن.

أيضاً ساهم تصاعد الفردانية في ازدياد حالات العزلة في صفوف المسنين؛ لأن الاهتمام بالمسنين يستوجب إيثار الغير والتضحية والاهتمام، وكله جهد على حساب الفرد من منظور الفردانية.

كما لا يخفى أنَّ ضغوطات الحياة اقتصادياً والبحث عن الرزق والهجرة والبطالة وحالات القلق التي سببتها الإكراهات الاقتصادية، أضعفت القدرة على تأمين علاقة جيدة بالجيل الذي يسبقنا، بمن في ذلك الوالدان، وهي ظواهر رغم محدوديتها، فإنَّ إنكارها غير ممكن حتى في المجتمعات العربية والإسلامية التي تعطي لكبار السن قيمة وتبجيلاً.

في هذا الإطار من التغييرات يجب أن نضع الاهتمام الأممي بظاهرة الإساءة للمسنين... أمس، أحيا العالم هذه المناسبة وهي مهمة، لأن المجتمع الإنساني يكتسب قيمته من أخلاقياته وليس هناك أكثر تهديداً للإنسانية من التسامح في ممارسات الإساءة لكبار السن. وكل تسامح يعد شرعنة وقبولاً وتزكية لسلوك سيمس الجميع.

لعله من الضروري أن يدرك العالم أنَّ واحداً من كل ستة أشخاص في سنة 2050 سيكون عمره أكثر من 60 عاماً، وهو ما يتطلب يقظة على النواحي كافة؛ لأنَّنا جميعاً مهددون بأن نكون ضحايا الإساءة إذا استمرت الظاهرة في التزايد.

من ناحية أخرى فالأمر في الحقيقة لا يشمل فقط تغيّر القيم داخل الأسر والمجتمع، بل إنَّ جزءاً كبيراً من حجم الإساءة لكبار السن، إنما يحدث في الأزمات وحالات الطوارئ والحروب والتوترات.

وفي هذا الصدد ورغم كل الاهتمام الإعلامي بالحروب، فإنه لا أحد يكترث بالضحايا كبار السن، وكأنَّهم خارج الحسابات وخارج الإدانة.

إنَّ الإنسانَ، سواء أكان طفلاً أم كبيراً في السن، هو ضحية، وبالمقدار نفسه للحروب وللعدوان.

فكم من كبير سن فلسطيني جاعَ وأصيب واستشهد في العدوان الإسرائيلي على غزة؟

omantoday

GMT 19:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 19:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 19:53 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 19:52 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 19:51 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 19:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 19:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

GMT 19:47 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا طاح الليل...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبار السن وعصرنا المتسارع كبار السن وعصرنا المتسارع



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 عمان اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 14:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab