دولة واحدة لا تكفي للتّصدي لشبكات التواصل

دولة واحدة لا تكفي للتّصدي لشبكات التواصل

دولة واحدة لا تكفي للتّصدي لشبكات التواصل

 عمان اليوم -

دولة واحدة لا تكفي للتّصدي لشبكات التواصل

بقلم:د. آمال موسى

ما نلاحظه ويحز في النفس هو حالة الاستسلام الكبيرة التي تمارَس تجاه شبكات التواصل الاجتماعي إلى درجة أن الشعور بالزمن تغير ونمط العلاقات الاجتماعية تغير والعلاقات داخل الأسرة تغيرت. حتى الأطفال الذين من المفروض أنهم يؤسسون لتجاربهم ولخبراتهم في الطبيعة والبيت والحي ومؤسسات التربية والثقافة كي يكتسبوا المهارات اللازمة ويستخدموا حواسهم ويطوروا ملكاتهم وذكاءهم الفردي والاجتماعي أصبحوا هم أيضاً ضحايا شبكات التواصل الاجتماعي.

إذا كانت أجيالنا نحن التي لم تعش زمن شبكات التواصل الاجتماعي إلا منذ عقد أو أكثر، أي بعد أن تجاوزنا الطفولة والشباب، ورغم ذلك نشعر اليوم بنوع من الانفصام في العلاقة بالزمن والأشياء والناس والحياة ونعاين بأسف واقع التباعد الاجتماعي الذي أثر بدوره على القيم داخل الأسر والمجتمعات بشكل عام. وإذا كان حال من نجا من شبكات التواصل الاجتماعي في طفولته وشبابه ليس على ما يرام، فكيف هو حال أطفالنا اليوم الذين يحملون الهواتف ويبحرون في الشبكات ساعات وساعات؟

الغريب أن العالم تعامل مع هذه المشكلة الخطيرة على كونها أمراً واقعاً ولا يمكن العودة إلى الوراء. بل إن الخطاب بدأ يتخذ طابعاً علمياً مؤسسياً يستسلم فيه لفكرة: إنّهم جيل «فيسبوك» و«توتير» و«تيك توك».

طبعاً الكل يتهرب من هذا الإدمان وهذا الهجوم الخطير لشبكات التواصل الاجتماعي بوصفها عنوان ثورة تكنولوجيا الاتصال الحديثة، ويلقي المسؤولية على العائلة من دون سواها، والحال أن هذه المؤسسة الاجتماعية وحدها التي لا تزال صامدة وتدافع عن القيم الاجتماعية رغم ما باتت تعرفه من مشكلات وتوترات لأسباب اقتصادية بالأساس وتغير شكل العلاقات داخلها من علاقات عمودية إلى أخرى أفقية تفاعلية.

ما يثلج الصدر هو الخبر الذي تداولته وسائل الأعلام في الأيام الأخيرة، ومفاده أن الحكومة الأسترالية تعتزم تقديم مشروع قانون فيدرالي يمنع الأطفال الذين سنهم دون السادسة عشرة من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. ووصف رئيس الحكومة الأسترالية شبكات التواصل الاجتماعي بالآفة، وأن مكان الأطفال الحقيقي في فضاءات اللعب ودور الثقافة بدلاً من قضاء الوقت في الإبحار في شبكات التواصل الاجتماعي وهم أطفال.

وللتذكير، فإن منظمة «يونيسيف» سبق أن أصدرت رقماً مرعباً وهو أن 175 ألف طفل يستعملون شبكات التواصل الاجتماعي للمرة الأولى كل يوم.

لكن، هل تكفي دولة واحدة للتصدي لهذه الآفة التي تقضم مهارات الأطفال في كل أنحاء العالم؟

طبعاً من المهم أن تعلن دولة ما مثل هذا النهج، والأهم هو أن تكون هناك خطة دولية متفق عليها للتصدي لهذه الآفة ولحماية الأطفال، أي أن صياغة اتفاقية دولية لمنع استخدام الأطفال لشبكات التواصل الاجتماعي من شأنه أن يؤسس لموقف عالمي إنساني، ويصبح الانضمام إلى هذه الاتفاقية والمصادقة عليها مؤشراً من مؤشرات التنمية المستدامة، وأيضاً من شروط دعم الدول في مجالات حماية الأطفال.

اليوم هناك اتفاقية دولية لحقوق الطفل حظيت بمصادقة غالبية الدول. والمطلوب هو اتفاقية دولية تؤطر خياراً عالمياً مشتركاً مع تدعيمه بتشريعات وطنية على غرار التجربة الأسترالية.

في هذا السياق، من المهم إيضاح نقطة تتمثل في أن الضرر الحاصل للأطفال في علاقتهم بشبكات التواصل الاجتماعي في البلدان العربية هو أكبر بكثير مقارنة بالدول الأوروبية، ومع ذلك فإن حالة القبول والاستسلام لهيمنة شبكات التواصل الاجتماعي على وقت أطفالنا يكادان لا يصدقان.

إننا اليوم أمام مشكلة حقيقية، ويمكن للتشريعات أن تخلق وعياً مخصصاً بهذه الخطورة. قد يرى البعض أن التشريعات لن تقدم ولن تؤخر في هذه الظاهرة وتفشيها، ولكن من المهم أن نتذكر أن حماية الأطفال هي مسؤولية الدولة أولاً. وتقتضي مصلحة الأطفال وجود مثل هذه التشريعات الملزمة للجميع أكان من الأسرة والمدرسة وكل الأطراف المحيطة بالطفل. ويصبح دور كل من يجد طفلاً يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي أن يقدم إشعاراً في الأمر إلى الآليات الوطنية الخاصة بحماية الطفولة في كل الدول. بمعنى آخر، الطفل الذي يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي يجب أن يتم التعامل معه بصفته طفلاً يتعرض للعنف وللإهمال وللتقصير. لذلك؛ فالطفل يُعدّ في خطر مدقع من دون تشريع خاص وملزم يلجم شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً منها «تيك توك» التي تؤسس لعالم التفاهة من نعومة الأظافر.

أما رمي كل العبء على الأسرة والأولياء؛ فإنه هروب من المسؤولية التي هي مسؤولية الجميع من دون استثناء. فهل تنتقل عدوى أستراليا إلى كل بلدان العالم ونسمع عن قوانين تتالى وفق وتيرة العدوى الإيجابية؟

omantoday

GMT 19:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 19:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

GMT 19:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: بدء موسم المبادرات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دولة واحدة لا تكفي للتّصدي لشبكات التواصل دولة واحدة لا تكفي للتّصدي لشبكات التواصل



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

مسقط - عمان اليوم

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 عمان اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:39 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 عمان اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 عمان اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:05 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية
 عمان اليوم - إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab