علاقات أوروبا ويمينها المتطرف

علاقات أوروبا ويمينها المتطرف

علاقات أوروبا ويمينها المتطرف

 عمان اليوم -

علاقات أوروبا ويمينها المتطرف

بقلم : يوسف الديني

هناك مخاوف للأوروبيين داخل الحقلين السياسي والثقافي لا تخطئها العين مع صعود اليمين المتطرف على مستوى انتشار الآيديولوجيا والثقافة والحياة اليومية والشعارات المرفوعة تجاه شركائهم في المواطنة من ذوي الأصول غير الأوروبية، فضلاً عن ملفات الهجرة والهوية والدين.

هزمت فكرة اليمين المتطرف في نسخة هتلر وموسوليني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن الفكرة ظلت كامنة ومتجذرة تنتظر الظروف الملائمة لانبعاث نيرانها وإن بأشكال مختلفة، كما نراقب اليوم انبعاث اليمين المتطرف بنسخته الشعبوية ذات الشعارات المغرية لعدد كبير من الأوروبيين في المدن الطرفية بشكل أساسي، وداخل العواصم ضمن فئات عمرية وخلفيات تتصل بالقلق من الأوضاع والفشل في أداء الأحزاب السياسية.

صحيح أن هناك تجارب سابقة لحكومات يمينية في المجر وبولندا وحتى إيطاليا، لكن الشعبية الجارفة اليوم تصل إلى مناطق جديدة، مثل ما فعل حزب «تشيغا» اليميني المتطرف في البرتغال، الذي حقق فوزاً بأكثر من 18 في المائة من الأصوات ليصبح ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد، وهو الأمر ذاته الذي حصل مع صعود حزب «PVV» اليميني المتطرف في هولندا بـ37 مقعداً من أصل 150 مقعداً، وتشيع مقولاته حول الهجرة وعدم جدوى الاتحاد الأوروبي بين أوساط المأخوذين بهذه الشعارات التي تأتي في وقت استثنائي على مستوى الأزمة الاقتصادية والمخاوف الأمنية التي تعيد إنتاج مسألة الانفصال عن أوروبا، رغم أن تجربة «البريكست» محل جدل كبير حتى عند المتعاطفين مع اليمين المتطرف.

والسؤال الذي يعني منطقة الشرق الأوسط، هو سؤال المستقبل للسياسات الأوروبية في ظل صعود ثقافة اليمين والشعبوية القومية، وهو ما يعني مزيداً من الحالة الانعزالية والتقوقع على الذات، خصوصاً مع تنامي تدفقات المهاجرين والانكسارات العميقة في مفهوم المواطنة للمواطنين من أصول عربية وإسلامية.

على مستوى العلاقات الدولية تراجع حضور أوروبا في الشرق الأوسط بعد أن كان فاعلاً بشكل قوي منذ الحرب العالمية الأولى، إلا أن الصراع والمنافسة الشرسة على الحضور والتأثير تكاد تكون منحصرة على الولايات المتحدة والصين وروسيا، بينما تحاول أوروبا لعب دور المساندة لسياسات واشنطن، والتدخل بحلول جزئية لا تُعبر عن استراتيجية واضحة هدفها فقط منع اتساع دائرة النزاعات والعنف، وما يتبع ذلك من إفلاس ينتهي بنزوح أعداد كبيرة بوصفهم مهاجرين، وهذا التدخل الفردي الذي لا يُعبر عن رؤية متحدة لأوروبا شهدنا مخرجاته الرديئة في التنافس الإيطالي - الفرنسي في ليبيا، وفشل مقاربة باريس للغرب الأفريقي، وانحصار دورها في وساطة هشة في لبنان، وعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور فاعل في وقف الحرب الوحشية على غزة والفلسطينيين. ويمكن القول أضعاف ذلك على ضعف دور أوروبا في الحد من التغول الإيراني في المنطقة، وعسكرة كثير من البلدان من خلال بناء أذرع ميليشياوية مهددة لاستقرار المنطقة.

البداية في لعب دور أوروبي فاعل يجب أن يبدأ مع الأكثر نجاعة وقدرة على إعادة ترتيب الاتحاد من خلال دول الخليج والاعتدال العربي وفي مقدمتهم السعودية، حيث تستطيع هذه الدول المستقرة، التي تعيش نهضة اقتصادية وفرصاً واعدة مما يؤهلها لأن تكون حلقة الوصل بين الشرق والغرب مع علاقاتها التي تشهد أفضل حالاتها مع الصين، وتوازناً استراتيجياً مع روسيا.

فرصة الاتحاد الأوروبي اليوم كبيرة لتجاوز حالة العطل منذ توقف اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج في التسعينات على خلفية ملفات حقوقية، يدرك العقلاء اليوم في المجتمعات الغربية أنها جزء من حالة التنميط التي تحتاج إلى كثير من المراجعة وإعادة التقييم، وعدم تضييع الفرص الحقيقية للشراكة المبنية على الاحترام المتبادل، ومراعاة مسائل الهوية والثقافة والسيادة، ومنح النقاشات حول أطر التعاون مجالاً أرحب على مستوى الاقتصاد المعرفي بمعناه الشامل مثل الاستثمار، والتغير المناخي، وأمن الطاقة، والتنمية، وتثمين فضيلة الاستقرار والسلام، وقدرة دول الخليج على لعب أدوار مهمة في خفض منسوب الصراعات، ونزع فتيل الأزمة في أكثر من منطقة توتر.

النضج في إعادة قراءة العلاقة الأوروبية - الخليجية يعني ببساطة تثمين الديناميكية والتجدد الذي تعيشه دول الخليج، خصوصاً مع السعودية التي تحقق تحولات مذهلة باعتراف العقلاء في أوروبا على مستوى الحوكمة والتحول الرقمي، والمناخ الاستثماري المدعوم بسياسات تشريعية وقانونية صلبة.

ربما هناك عراقيل ومقاومة لعودة اليمين سياسياً، لكن انتشار ثقافته الشعبوية هو ما يدعو للقلق، ويعيد للأذهان كلمة الأديب الألماني غونتر غراس عن معضلة نشأة الاتحاد الأوروبي، حيث النزعة الاقتصادية التي أهملت الهوية الثقافية.

 

omantoday

GMT 21:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 21:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 21:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 21:53 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الهُويَّة الوطنية اللبنانية

GMT 21:52 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عقيدة ترمب: من التجريب إلى اللامتوقع

GMT 21:51 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات تواجه مؤتمر «كوب 29» لمكافحة التغير المناخي

GMT 21:50 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

بين الديمقراطيين والجمهوريين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علاقات أوروبا ويمينها المتطرف علاقات أوروبا ويمينها المتطرف



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
 عمان اليوم - فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:35 2013 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

النجم محمد باش يهدي المغربية سكينة بوخريص عقدًا ماسيًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab