هي المرة الأولى التي يتم فيها تقديم رئيس أميركي، سابق أو حالي، إلى محكمة جنائية في البلاد.
لكن مع الرئيس السابق ترمب، يبدو كل شيء ممكناً ووارداً، بدءاً من الأيام الأولى لرئاسته، واتهامه بالتعاطي مع الروس، في مواجهة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، تلك التي أثبتت التحقيقات زيفها.
يقف ترمب أمام المحكمة الجنائية في ميامي، ما يضع أميركا الديمقراطية مالئة الدنيا وشاغلة الناس، أمام تساؤل جذري: «من الذي يطار ترمب؟ ولماذا هذا الإصرار على إلحاق الأذى المعنوي به اليوم، بينما الغد قد يشهد ترمب داخل السجون الأميركية، ولقرن من الزمان، إن استطاع المدعون العامون، إثبات التهم الموجهة إليه في قضية الوثائق السرية التي تحصل عليها خلال رئاسته، وعثر عليها في منتجعه بمارالاغو؟
ليس سراً القول إن هناك من الدولة الأميركية العميقة، تلك المتمثلة في مركب معقد من المؤسسات السياسية والحزبية، عطفاً على الأجهزة الأمنية والاستخبارية، ناهيك عن مجمعات المصالح، وفي المقدمة منها المجمع الصناعي العسكري، من لا يزال يتساءل: «كيف وصل ترمب إلى البيت الأبيض رئيساً عام 2016؟».
جاء الرجل من خارج المؤسسة السياسية الأميركية، ورغم كافة المثالب الموجهة له، أو النقائص الكائنة فيه، فإن هذا لا يمنع الاعتراف بأنه يواجه وعلى حد قوله «مطاردة الساحرات»، مستعيراً تعبيراً تاريخياً جرت به الوقائع الأميركية في مدينة سالم، بولاية ماساتشوستس عام 1692؛ حيث اتُّهم بعض النسوة بالسحر، وتم شنق بعضهن وحرق البعض الآخر، وإغراق القسم الباقي.
هل هناك من يخشى من عودة ترمب إلى البيت الأبيض مرة أخرى؟ ولهذا توضع العراقيل في طريقه، عن طريق ملفات مفتوحة قضائياً، وعلى اتساع جغرافي من نيويورك شرقاً؛ حيث قصة ستورمي دانيالز، وحديث «أموال الصمت»، عطفاً على 34 تهمة جنائية بالتزوير من الدرجة الأولى للسجلات التجارية، مروراً بجورجيا، جنوب شرقي الولايات المتحدة، وفيها يقف ترمب في مواجهة تحقيق حكومي يتعلق بالتدخل غير القانوني في انتخابات 2020، ومن المتوقع أن يعلن المدعي العام لمقاطعة فولتون، فاني ويليس، عن اتهامات في هذه القضية في وقت ما من أغسطس (آب) المقبل.
يبدو ترمب وكأنه يوليوس قيصر؛ حيث الطعنات تتوجه له من أكثر من بروتوس في الداخل الأميركي، لا سيما بعد الاستقالات غير المفهومة أو المبررة من جانب عدد من محاميه، رغم تصريحهم بالقول: «لقد كان شرفاً لنا الدفاع عنه، ونعلم أنه ستتم تبرئته».
أما الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لترمب من وجهة نظر قانونية، هو أن عدداً آخر من محاميه سلموا رسالة إلى المحققين الفيدراليين في 3 يونيو (حزيران) 2022، يعترفون فيها بأنه تم إجراء «بحث دؤوب عن الصناديق» التي نقلت إلى مارالاغو من البيت الأبيض، عندما غادر ترمب المكتب، وأن «جميع المستندات سريعة الاستجابة تصاحب هذه الشهادة».
ما الذي يخيفهم من ترمب؟
هذا هو بيت القصيد، والذي يبدو عصياً على الفهم، لا سيما أن ما شغل ويشغل الرجل هو جعل أميركا أقوى وأفعل وأنجع، فهل هناك من يسعى في اتجاه معاكس؟ وإذا كان ذلك كذلك، فلمصلحة من؟ وما الهدف؟
بعد أقل من عام له في البيت الأبيض، وضمن تصريحاته التي لا تخضع لحسابات عقلية أو نقلية، قال الرئيس بايدن: «إن وصول ترمب إلى البيت الأبيض كان خطأ جوهرياً، لن تسمح النخبة السياسية في البلاد بتكراره مرة أخرى».
ربما يكون التفسير الأقرب لمطاردة ترمب، هو القول بأنه رجل غير مدين للنخبة الأوليغارشية الأميركية الحاكمة بشيء؛ بل ربما يشكل وجوده مخاوف حقيقية على مستقبل أعمالهم ورؤيتهم لقادم أيام أميركا.
لم يتأثر مؤيدو ترمب أو حملته الانتخابية، بالتحول النوعي الأخير ومثوله أمام محكمة جنائية؛ بل على العكس، فقد تلقت حملته الانتخابية مزيداً من التبرعات، بينما استطلاعات الرأي وحتى الساعة لم تتغير، ويظل ترمب صاحب أعلى نسبة بين المرشحين الجمهوريين لانتخابات الرئاسة 2024، وبفارق شاسع عن رون ديسانتيس المرشح الجمهوري الصاعد في سماوات الحياة الأميركية.
ماذا عن الرأي العام الأميركي بشكل عام، جمهوريين وديمقراطيين؟ وكيف ينظرون لترمب؟
حسب استطلاع رأي أجراه معهد «إبيسوس» وشبكة «ABC NEWS» ونشر الأحد الماضي، اعتبر 47 في المائة من المشاركين الذين تم استجوابهم يومي الجمعة والسبت أن التهم الواردة في القضية «ذات دوافع سياسية»، مقابل 37 في المائة لا يعتقدون ذلك.
ينظر أتباع ترمب لمشهد محاكمات ترمب، وكأنه فصول عبثية من مسرحية لصموئيل بيكت؛ حيث إن أعداءه يسلكون طريقاً، ثم يجربون أخرى، وهكذا يستمرون في محاكمته.
على أن التساؤل الذي بات أكثر إثارة مع ازدياد سخونة الحملة الانتخابية الرئاسية: «هل إدانة ترمب في أي من الاتهامات الموجهة إليه، تمنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة؟».
حسب الدستور الأميركي، هناك 3 شروط فقط مطلوبة للترشح للرئاسة، وهي: أن يكون المرشح مولوداً في الولايات المتحدة، وأن يبلغ من العمر 35 عاماً على الأقل، وأخيراً أن يكون قد أمضى 14 عاماً في البلاد.
لا يوجد نص دستوري يمنع بموجبه أي شخص مدان أو لديه سجل إجرامي من الترشح لرئاسة أميركا، على الرغم من أن بعض الولايات تمنع هؤلاء من التصويت في الانتخابات.
هل سيحكم ترمب الولايات المتحدة من وراء قضبان السجون حال فاز في انتخابات الرئاسة 2024، شرط ترشيح الجمهوريين له؟
مطاردة ترمب أمر يعمق الشرخ القائم في جدار أميركا... الأمة المترددة والمضطربة.