بقلم - إميل أمين
هل الشرق الأوسط على موعد مع النووي لكلّ يد، على وزن "الطعام لكّل فم" لأديب مصر المسرحي الكبير توفيق الحكيم؟
المؤكد أن التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل لفت الانتباه إلى أزمة الشرق الأوسط النووية، وما إذا كان في طريقه للتحول بالفعل إلى منطقة مليئة بهذا السلاح الفَتّاك عوضًا عن أن يكون خاليًا تمامًا من أسلحة الموت والدمار هذه، كما يحلم الذين لهم دالة على السِّلْم الدولي.
ولعله من المؤكد أننا أمام مشهد نوويّ ثنائيّ اليوم، غير أنه ما من ضامن أن يضحي ثلاثيًا ورباعيًا، وربما أبعد من ذلك، إذ لن تضحي إسرائيل وحدها من يمتلك السلاح، فها هي إيران على عتبات حيازته، ما يعني بالضرورة والحتمية التاريخية الجبرية أن دول المنطقة، ولإحداث حالة من توازنات الدرع التي لا بدّ منها، ستجد نفسها مطالبة أمام شعوبها بالمثل.
ليس سرا أن سبب انفجار حديث الشرق الأوسط القلق نوويًّا موصول بتل أبيب التي ترفض حتى الساعة الكشف عن ترسانتها النووية، في حين يعلم القاصي والداني أنها تمتلك رقمًا معتبرًا، يصل إلى بضعة مئات، ومن ناحية أخرى له علاقة بمآلات البرنامج النووي الإيراني، والذي تسارعت خُطاه بصورة مثيرة للقلق في الأسابيع الأخيرة بنوع خاص.
الذين تابعوا تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية رفائيل غروسي، قد وَقَرَ لديهم أن إيران على مقربة أسابيع وليس أشهر من حيازة قنبلة نووية، وغالب الظن أن لديها نماذج أولية من هذا النوع من أسلحة التدمير الشاملة.
الامر عينه أكّدتْه وكالة بلومبرغ في تقارير أخيرة لها قالت فيها إن إيران قد تكون قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المُخصَّب اللازم لصنع قنبلة نووية خلال أقل من أسبوع، وقد كان ذلك في منتصف إبريل/ نيسان المنصرم.
أحد الأسئلة المثيرة للقلق نوويًّا في المنطقة مؤخَّرًا: "هل كانت صواريخ إيران التي أطلِقَتْ على إسرائيل إشارة فَهِمَها جنرالات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقول إن طهران لم تَعُدْ تخشى المواجهة الرسمية؟
الشاهد أنه حال كان الأمر على هذا النحو، وهو غالبًا كذلك، فقد يحمل دلالات مهمّة بل خطيرة، وهي أن إيران إن لم تكن فد تخطت العتبة النووية بالفعل، فإنها قاب قوسين أو أدنى من ذلك، وربما لهذا السبب لم تُرِدْ أن تُعمّق من هجماتها مؤخَّرًا، لتتفرغ لامتلاك منظومة الردع الصاروخية بوجهها النووي، وساعتها ستكون قادرة على مقارعة المحرقة بمحرقة مقابلة، أي الهجمات النووية بنظيرتها.
ما الذي تحتاجه إيران كي تدشن دخولها النادي النووي؟
الأمر ليس بالعسير في واقع الحال، بمعنى أنه عطفًا على المادة الانشطارية، هناك آلية التفجير ووسائل إيصالها إلى المواقع المستهدَفة، حيث من المرجَّح أن إيران تمتلك بالفعل المعرفة التقنية اللازمة لإنتاج جهاز تفجير داخلي بسيط، مثل ذلك الذي أسقطته الولايات المتحدة فوق هيروشيما عام 1945.
هنا يتعَيَّن على الطيار الإيراني أن ينجو من التوغُّل في أراضي العدو حتى يتمكن من إرساله، وبدلاً من ذلك يمكن تسليم أجهزة التفجير داخل حاوية يتم شحنها على الأرض أو تعبئتها على متن سفينة.
ولضرب هدف بعيد ، تحتاج إيران إلى رأس حربي صغير بما يكفي ليتم تثبيته فوق أحد صواريخها الباليستية.
لا تبدو السيناريوهات المتقدمة مستحيلة بالنسبة للإيرانيين، لا سِيّما في ظلّ وجود التخوم التي تتبعها، حيث يتواجد وكلاء الحرب التابعين لها، وهولاء سيكونون عند لحظة نووية بعينها سلاحًا لوجستيًّا خطيرًا يهدِّد البرّ والبحر والجوّ.
هل إيران جادّة في إقلاق الشرق الأوسط بالمزيد من الهواجس النووية بالفعل، وربما فيما يتجاوز مواجهتها لإسرائيل؟
مؤكَّدٌ أن الأمر على هذا النحو قولا وفعلا، وبخاصّة في ظل تلويح طهران بـ"تغيير عقيدتها النووية" المزعومة... ماذا عن هذا العقيدة، وما هو التغير الذي طرأ عليها؟
قصة العقيدة النووية جوهرها أن طهران ترى أنه من غير الجائز شرعًا امتلاك سلاح الموت النووي، وأن الأمر في تأصيله وتجذيره يعود إلى فتوى الإمام الخوميني.
غير أن القاصي والداني يعلم تمام العلم أن الأمر ليس سوى من أنواع فكر "التقية النووي"، إن جاز التعبير، بمعنى أن هذا القول بوجود هذه الفتوى هو نوع من محاولة خداع الآخرين، لا سيما جيران إيران الجغرافيين، وأن شهوة قلب إيران الحقيقية تدور حول امتلاك هذا السلاح الذي يجعل منها قوة مكافئة إقليمية لإسرائيل بنوع خاص، ويُمَكِّنها من اقتسام النفوذ خليجيًّا وشرق أوسطيًّا.
أما حديث تغيير هذه العقيدة الواهية أو اللاعقيدة في واقع الحال، فمرجعه ما نقلته وكالة تسنيم شبه الرسمية الإيرانية قبل أسبوعَيْن عن القائد الكبير بالحرس الثوري الإيراني، أحمد حق طلب، من أن إيران قد تراجع عقيدتها النووية.
هنا المعنى المراد، أن إيران ومن جرّاء التهديدات الإسرائيلية لمنشآتها النووية من الممكن أن تراجع ما تؤمن به، أي أنْ تُحَوِّل إيران برنامجها النووي المصمَّم لأغراض مدنية سليمة، وبهدف توفير الكهرباء لأغراض الصناعة بنوع خاص، إلى أغراض عسكرية.
يحملنا التصريح الأخير على أن إيران ومهما حاولت مواراة أو مداراة سعيها النووي، إلا أنها ماضية قُدُمًا في طريقه، وأنها عازمة على أن تتصدى لمن يهاجمها بنفس السلاح الذي يمتلكه.
ما العمل إذن أمام طموحات إيران النووي، والعتبات التي تجاوزتها أو في على بعض أمتار من تجاوزها؟
لا يوجد في واقع الأمر سوى سيناريو من اثنين ، إما العمل أميركيًّا بشكل مباشر، أو توكيل إسرائيل في توجيه ضربات مكثَّفة لمواقع إيران النووية، وفي هذا الحال حكمًا سترُدُّ إيران بنفس الآلية، ما يعني احتمالات الدخول في دائرة الشتاء النووي خليجيًّا وشرق أوسطيًّا، وربما يمكن أن يتحول الأمر إلى مواجهة نووية عالمية، وهو ما يرغبه أحد ولا يتمناه الطرفان ومن يدعمهما، وما حدث مؤخرًا يقطع بأن توازن الرعب والردع قائم وقادم، تقليديًّا ونوويًّا.
أما السيناريو الثاني، فهو القبول بإيران عضوًا في النادي النووي لتضحي الدولة العاشرة بعد روسيا والولايات المتحدة، فرنسا والصين، بريطانيا والهند ، باكستان وكوريا الشمالية، فضلاً عن إسرائيل التي لم تؤكد ولم تنفِ أبدًا حيازتها للسلاح النووي وتُفَضِّل البقاء في منطقة رمادية من هذه الناحية.
القلق الذي نحن بصدده يدور وبصراحة تامة في العواصم الشرق أوسطية الفاعلة والناجزة، تاريخيًّا وجغرافيًّا، من أصحاب الأوزان الديموغرافيّة الكبرى خاصة والسؤال: هل ستقف عاقدة الأذرع على الصدور تراقب السباق النووي الإيراني الإسرائيلي، والرؤوس العابرة فوق البلدان منتهكةً سيادتها أو موجهة لسويداء القلب منها؟
حكمًا هذا لن يحدث، وسيكون البديل سعيًا موازيًا ضمن سياقات التوازنات النووية، وهو الأمر الوحيد الذي يزيح الخطر. وقد تعلم الجميع من زمن الحرب الباردة أنه لولا توازن الرعب والردع النوويَّيْن، لانتهى أحد الحِلْفين الكبيرَيْن، وارسو أو الناتو، لكن امتلاك الطرفين لأدوات الموت الذري ألغى الخطر.
هل الشر ق الأوسط على موعد مع انفلاش نووي أم أن القارعة واقفة وراء الباب؟