بقلم : محمد الرميحي
ضرب زلزال مدمر أهلنا في المغرب، فقتل الآلاف رحمهم الله، وخرب بلداناً ومنازل، كما ضرب تسونامي مدينة مزهرة على الساحل الليبي، فغيّب عشرات الآلاف، وابتلع أحياءً ومناطق سكنية. للحدثين قام العالم عن بكرة أبيه بالتعاطف والمساعدة، أما في الكويت فقد تزامنت تلك الأحداث بزلزال مع تسونامي مشترك ومدمر اجتماعي وثقافي، ولم يعرف به إلا قليلون. هذه المقدمة ليست مني، ولكن من وحي اتصال صحافي كبير ومطلع سألني عن "الزلزال الكويتي"! فقلت ماذا تعني؟ قال منع التعليم المشترك في الكويت، وهي التي نعرف قد حملت مشعل التنوير في هذه المنطقة منذ زمن طويل.
شيء مؤسف ما يحدث من حملة "قندهارية" في المجتمع الكويتي، والساكت عنها "شيطان أخرس". بداية حتى كثير من المستنيرين وقعوا في خطأ استعمال المصطلح. "الاختلاط" هو مصطلح يقود إلى الشبهة ويستخدمه الظلاميون عنوة، أما المصطلح الصحيح فهو التعليم المشترك، وحرمان الشباب من التفاعل الصحي في ما بينهم في مؤسسات محترمة يتركهم نهب رهاب الخوف من الجنس الآخر، والانعزال النفسي والسلوكي.
لقد صدر ذلك القانون المعيب بفصل البنين عن البنات في التعليم العالي منذ وسط التسعينات، قانون 24 لعام 1996، وكانت البلاد تلعق جراحها جراء الاحتلال البشع الذي قامت به جحافل صدام حسين. وقتها كان هناك اضطرار للمسايرة لأن صدام كان لا يزال على الأبواب وأولويات الدولة مختلفة، وترك العنكبوت يحوك شبكته على المجتمع، فتم تجنيد شباب غر، أوجدوا فيهم خطأ في التموضع المعرفي والثقافي، فخلطوا بين الثوابت والمتغيرات، هؤلاء أصبح كثيرون منهم مع الوقت مسؤولين في الدولة، ولديهم قبول لتلك التعليمات من "الإسلام الحركي"، فسقط جزء غير يسير في المجتمع في حبائلهم، وها هم يأخذونه زلفى إلى "القندهارية" في وضح النهار.
في الانتخابات الأخيرة 2023 طافت مجموعة صغيرة على المرشحين الذين كان من المتوقع أن يكون لهم حظ من النجاح، باقتراح واحد مفاده "لدينا مئة وخمسون صوتاً يمكن أن نجيرها لك، إذا وعدتنا فقط بشرفك بأنك سوف تصوّت مع منع الاختلاط في المجلس القادم"، كثيرون منهم يبدو أنهم وافقوا، وقليلون رفضوا، تلك القلة سوف نسمع أصواتها الرافضة، هي قلة شجاعة، أما من وافق فسوف يصمت صمت أبي الهول!!
شخصياً قضيت ما يقرب من خمسة عقود في التعليم العالي، وكان الشطط المفترض من البعض تقريباً معدوماً، لأن الطلاب والطالبات هم أبناء مجتمع محافظ، ولكن في الوقت نفسه مستنير، كونه مجتمعاً ساحلياً مفتوحاً على التجارة والهجرة، ونحن الآن نتذكر تلك الدفعات المتميزة من الطلاب والطالبات، وهم أو أبناؤهم وبناتهم من قاد المقاومة الكويتية عام 1990، بل إن أول تظاهرة ضد الغزو الضلالي الصدامي قامت بها نساء الكويت، وسقط عدد منهن شهيدات، كما أن وثائق المؤتمر الشعبي الكويتي في جدة (13 – 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1990) سمت نساء الكويت "أخوات الرجال".
الموقف من فصل الطلاب عن الطالبات موقف غير عقلاني، فالجامعات الرسمية والخاصة تقوم بالتدريس فيها ثلة من الرجال والنساء في الأقسام المختلفة، وهم أيضاً يقومون باجتماعات دورية لأي قسم علمي، فهل المطلوب أن يجتمع نساء القسم العلمي وحدهن ورجال القسم العلمي وحدهم! ثم ماذا عن الكافتيريا أو مواقف السيارات! وبعد التخرج سوف يعمل الجميع في مكان واحد، فهل نقسم المكان العام في مؤسسات الدولة أو مؤسسات القطاع الخاص قسمين للرجال وللنساء، وأخيراً هناك فضاءات عامة كمثل الأسواق والمطارات والطائرات!
حتى في الحج والعمرة يطوف الرجال والنساء في مكان واحد، فالاحتجاج بالشريعة السمحة غير وارد، إلا إن كانت شريعة "طالبان" البالغة التحجر! هذا أيضاً يذكرنا بمجلس الأمة المصري تحت راية الإخوان الذي ترك كل مشكلات مصر الكبرى وبدأ بمناقشة فرض الختان على البنات، فرغم الكم الهائل من التحديات التي يواجهها المجتمع الكويتي، يأخذنا البعض إلى دهاليز النقاش ذي النكهة التافهة!
السؤال المركزي هو: هل يمكن أن يتراجع وعي مجتمع بكامله لأن قلة منه تريد تغييب وعيه، هل يعني الكرسي في الإدارة او في المجلس المنتخب، تغييب الحقائق والسير ضد التاريخ، مع العلم أن أكثر من نصف الناخبين في الكويت هم من النساء!! لقد أصبحت المسايرة والخوف من المتشددين حاجزاً للبعض عن الصدع بآرائهم، على أنهم لا يرغبون في الدخول في تلك الترهات، ولكن بالسكوت عنها سوف تصل تلك الترهات إلى صالونات منازلهم!!
في الوقت الذي تقرر مجتمعات حولنا إذاعة مباريات كرة القدم للنساء على الهواء مباشرة، تجر نساؤنا إلى الحرملك، وهذا ما يجب على الرجال والنساء رفضه، ومن يوافق عليه يجب ألا يبقى في مكانه في الإدارة، لأنه بذلك يخرب ولا يبني، أن تربط كل تلك الموجة بالعفة هو فساد في الرأي، فالعفة ليست لها علاقة لا بالمكان ولا بالملبس، هي في ضمير الناس، ونساء الكويت أكثر عفة مما يعتقدون، والوقوف أمام تسطيح الوعي مكتوفي اليدين، يعني أننا جميعاً سنصبح مغيبين عن العصر! لا يعترف بعضهم لا بالوطن ولا بالسلام الوطني ولا حتى لديه مفهوم قريب من حفظ الحريات، هم فقط يتصورون أن هناك عالماً شبقاً، تعبيراً عن شعورهم الشخصي.