الموال الذي دمر السودان

الموال الذي دمر السودان!

الموال الذي دمر السودان!

 عمان اليوم -

الموال الذي دمر السودان

بقلم: عثمان ميرغني

في الوقت الذي تتزايد فيه معاناة السودانيين بسبب الحرب، لا تزال القوى المدنية التي تصدرت المشهد خلال الفترة الانتقالية التي امتدت أربعة أعوام، تتحرك بالطريقة ذاتها، بخلافاتها وانقساماتها ومماحكاتها ومناوراتها. تعقد قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي (قحت) اجتماعها في القاهرة، فتعقد القوى المنضوية تحت لواء «الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية» اجتماعاً آخر في القاهرة أيضاً، وفي التوقيت ذاته. هذا في الوقت الذي كان ينعقد فيه اجتماع ثالث مثير للجدل والتساؤلات في توغو بين قوى من دارفور، بحضور مسؤول بارز من «الدعم السريع»، ومشاركة شخصيات محسوبة على قوى «الحرية والتغيير».

أضف إلى ذلك الصراع المحتدم بين قوى «الحرية والتغيير» والإسلاميين، وموال كيزان (أي إخوان) و«قحت» الذي طغى على النقاشات حول الحرب الجارية، وشوش على أحاديث كيفية إنهائها، لتعرف حجم تعقيد المشهد السوداني الراهن.

هذا التشرذم والصراع المستمر بين القوى السياسية لن يساعد في وقف الحرب، بل في تأجيجها، وربما إطالة أمدها أكثر مما طالت. إذا خلصت النوايا فإن أرضية وقف الحرب يجب أن تنطلق أولاً من حل الخلافات التي عصفت بالفترة الانتقالية وقادت البلاد إلى هذه الحرب المأساوية. يحدث ذلك عبر حوار موسع لا ينغلق على فئة دون غيرها، ولا يستبعد في تقديري سوى حزب المؤتمر المنحل الذي قال فيه الشعب كلمته وأطاح نظامه في ثورة تعد بمثابة استفتاء على إدانته ورفضه. إذا حلت هذه القوى خلافاتها، وتوافقت على خريطة طريق واضحة للفترة المقبلة وكيف يُحكم السودان، أكاد أجزم بأن الحرب ستنتهي في وقت قريب، وسيمهد الطريق لاستئناف الفترة الانتقالية والعمل على معالجة آثار وأضرار الكارثة التي حلت بالبلد، وهي مهمة ضخمة بكل المعايير.

الحرب فرضت واقعاً جديداً يحتم إعادة النظر في كثير من الأمور؛ لأنه من الصعب العودة إلى ذات النقطة التي كنا فيها عشية الحرب بما في ذلك «الاتفاق الإطاري» الذي كان من بين أسبابها. والتوافق المطلوب للتأسيس للمرحلة المقبلة لن يتحقق بأن يتخاطب كل تكتل مع نفسه، بل بتوسيع دائرة الحوار، لتوحيد الرؤى حول خريطة طريق واضحة تنهي هذا الوضع الكارثي وتعد الأرضية لاستعادة المسار الانتقالي بصورة أكثر ثباتاً، وأقل صراعات وقلاقل.

الظرف العصيب الذي يمر به البلد يتطلب فتح العقول والبصائر والصدور للتلاقي حول رؤية موحدة لعبور هذا النفق. أولاً بالاتفاق حول كيفية إنهاء الحرب، وهو البند الأول في هموم وأولويات المواطن السوداني الآن، ومن ثم البحث في ترتيبات المرحلة الانتقالية وما بعدها. كل هذا يتطلب بالضرورة الابتعاد عن التفكير الإقصائي بين القوى المدنية، بما يعني توسيع الحوار ليشمل إسلاميين ممن قاموا بمراجعات جادة لسجل حكمهم البائس، ويريدون اليوم أرضية للتوافق مع القوى الأخرى بما يخرج البلد من دوامة عدم الاستقرار ويقوده للاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولا شيء غيرها.

توسيع الحوار يعني كذلك التواصل مع الجيش والحوار معه بشكل مباشر وتلمس، بل تفهم، رؤيته لكيفية إنهاء الحرب، لأن أي محاولة لتجاوزه لن تزيد الأمور إلا تعقيداً في هذه المرحلة. فإذا كان ممثلو قوى «الحرية والتغيير» يجلسون مع ممثلي «الدعم السريع» ويتحاورون معهم، فلماذا لا يجلسون مع قيادات الجيش للحوار حول كل الموضوعات المتعلقة بالمرحلة وتعقيداتها، والحلول المطلوبة لها؟

الواضح أن العلاقة بين قوى «الحرية والتغيير» والجيش عانت من توترات وشكوك كثيرة أسهمت في تقويض الفترة الانتقالية، وزادت تعقيداً في الآونة الأخيرة بسبب الموقف من الحرب. فقوى «الحرية والتغيير» تحت شعار «لا للحرب» اختارت التعامل مع الجيش وقوات «الدعم السريع» على قدم المساواة، وواجهت اتهامات صريحة بموالاة «الدعم السريع»، بينما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول إن بعض قياداتها تواطأ وشجع قيادات «الدعم السريع» على انقلابها. الحقيقة أن موقف «قحت» من الحرب أفقدها تأييد قطاع مقدر من السودانيين الذين باتوا ينتقدونها علانية في مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما كانوا يؤيدونها بحماس في السابق. في نظر هؤلاء، المعادلة بسيطة، فمن جانبٍ هناك قوات تستهدف المواطنين بأبشع الممارسات؛ إذ نقلت الحرب إلى أحيائهم واستخدمتهم دروعاً بشرية، استباحت بيوتهم، ونهبت واغتصبت، ودمرت البلد. وعلى الجانب الآخر يوجد جيش يقاتل لطرد كل من ارتكب هذه الممارسات وأكثر، ويطالب «الدعم السريع» بإخلاء منازل المواطنين وأحيائهم والمرافق العامة والحيوية، ويشعر المواطنون بالأمن كلما رأوا الجيش في شوارعهم، ويهللون لانتصاراته.

في محاولة لمواجهة الانتقادات الواسعة والاتهامات بموالاة قوات «الدعم السريع»، والسكوت عن إدانة ممارساتها وانتهاكاتها البشعة، ضمّنت قوى «الحرية والتغيير» البيان الختامي لاجتماعاتها في القاهرة إدانة «خجولة» لجرائم «القتل والسلب والنهب التي قامت بها قوات (الدعم السريع)». أقول خجولة لأن البيان سرعان ما وازن هذه الإدانة في السطر ذاته بإدانة للقوات المسلحة على ما وصفه بـ«جرائم القصف الجوي، والاعتقالات التعسفية للناشطين، وحماية أنشطة وفعاليات فلول النظام البائد».

الإشارة أيضاً إلى موضوع دمج الجيوش في بيان قوى «الحرية والتغيير» يثير مواقف متباينة، ويضيف إلى تعقيد علاقتها مع الجيش، بل يضعها في مواجهة مع رأي قطاع كبير بين السودانيين الذين انقلبوا تماماً ضد «الدعم السريع» وأصبحوا يتمنون دحره بعدما ذاقوه على أيدي أفراده.

كل هذه التعقيدات والتباينات تعيدنا إلى ضرورة فتح حوارات شفافة حول القضايا كافة التي تواجه البلد اليوم في ظل هذه الحرب وما بعدها. وهذا لن يتحقق بالتجوال بين العواصم، أو باجتماعات تعقد هنا وهناك، وبيانات تصدر لتسجيل المواقف والنقاط السياسية، وبالتأكيد ليس بالبحث عن حلول خارجية. معاناة السودانيين المتزايدة التي اختبرت كل حدود صبرهم على الشدائد، تتطلب من القوى المختلفة أن توسع دائرة الرؤية، ورقعة الحوار، وتتجاوز موال الخلافات العقيمة التي أنهكت السودان، من أجل التوصل إلى رؤية واضحة وخريطة طريق متوافق عليها تقود إلى حلول جذرية للمشكلات المزمنة، والصراعات المستمرة، وتحقق للبلد أمانه واستقراره.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموال الذي دمر السودان الموال الذي دمر السودان



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab