العودة إلى «المريول»

العودة إلى «المريول»

العودة إلى «المريول»

 عمان اليوم -

العودة إلى «المريول»

بقلم:سوسن الأبطح

أدخل وزير التربية الفرنسية غابريل أتال بلاده في جدل سوريالي. النقاش بات يطال طول الفساتين، وموديلات الأكمام، ودرزات الأردية، وحتى الألوان، ومدى ضيق العباءة أو اتساعها، لنعرف ماذا نسميها، وهل نمنعها في المدارس أو نبقيها؟ وكأنما لا هموم تربوية أو مشكلات في المناهج، وصعوبات تعليمية تستحق تركيزاً عميقاً. التقهقر الموجع في المستوى التعليمي مرض عضال، وليس داء فرنسياً فقط.       

لكن الوزير قرر أن يبدأ السنة الدراسية بموضوع يثير من الغبار، أكثر مما يحصد من ثمر، ويبقي الجميع في الهامش، مهما بذلت من جهود، وحسنت النيات. وإذ رأى أن التطبيق أصعب مما كان يتصور، فقد وجد أن الحل في اعتماد الزي الموحد. وتلك فكرة صائبة تريح الجميع من خلافات لا تنتهي حول ماهية الرموز الدينية التي تمنعها المدارس الفرنسية.

وإذا تمكنت «العباءة»، من إعادة الزي المدرسي الموحد إلى المدرسة الفرنسية، تكون قد فعلت ما لم يستطعه وزراء تربية، ونواب، وقادة أحزاب، على مدى سنين خلت.

مقاومة «المريول» المدرسي، تاريخياً، في فرنسا عارمة، ومحاولات جعله جزءاً من حياة التلامذة، اصطدمت دائماً، بالدفاع عن فكرة حرية الاختيار، وتطور الشخصية والتعبير عن الذات، والخوف من أن تكبح صرامته روح المبادرة، وتقصّ أجنحة الأطفال. من بين أبرز المطالبين بالزي الواحد، نواب في اليمين واليمين المتطرف، وحين قدموا اقتراحهم العام الماضي بدوا كأنهم يسيرون في حقل ألغام. ويفضّل في فرنسا، إذا كنت من أنصار هذه الفكرة، أن تتحدث عن «زي مشترك»، لا «زي موحد»، تخفيفاً للوطأة، حتى لو كنت تقصد الشيء نفسه، فذلك أدعى للاستماع إليك، قبل أن تواجه سريعاً، بالرفض والصدود.

عرفت فرنسا الزي الموحد أيام نابليون، كان أقرب إلى البزة العسكرية، وتم الاستغناء عنه كلياً بعد ثورة مايو (أيار) 68 الشهيرة التي ثار خلالها الطلاب على النظم التعليمية الصارمة، والخضوع لسلطات عليا، وطالبوا بإلغاء التسلسل الهرمي الاستبدادي. من يومها والتلامذة يعبرون عما في نفوسهم بما يريدون ارتداءه كباراً وصغاراً في المدرسة الرسمية.

نزعة المسؤولين عادت تكراراً من حينها نحو المريول، خاصة، من أجل الحد من ثقل التفاوت الطبقي الذي تبرزه الملابس، بعد الموجة الاستهلاكية التي تجتاح العالم. الجديد، أن فرنسا، على الأرجح ستخضع أخيراً لفكرة الزي الموحد من باب فض النقاش حول العباءة والدلالات الدينية الأخرى التي يمكن أن تعكسها الملابس، ولن تقف عند الفترة التجريبية التي دعا إليها وزير التربية الوطنية غابريل أتال.

فلائحة الممنوعات بدأت تطول، وكل بند حول الرموز الدينية التي منعت في المدارس منذ عام 2004 يفتح أبواب الجدل، والتوظيف السياسي، الذي ينتهي، بمزيد من الانقسام المجتمعي.

العباءة مختلفة عن البرقع الذي حظرت فرنسا ارتداءه في الأماكن العامة عام 2010 وحتى عن الحجاب أو القبعة اليهودية. العباءة قد ترتدى للستر والحشمة، وقد تستخدم لأنها زي تقليدي في غالبية الدول العربية، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى موضة عالمية تسابقت على التفنن في تصميمها أرقى دور مثل «دولتشي أند غابانا» أو «لانفان» في فرنسا نفسها. فكيف يمكن أن نوصّف أنجلينا جولي حين ارتدتها، أو كيم كاردشيان وهي تتباهى بها؟

بعض المدرسات الفرنسيات يعددن العباءة رمزاً دينياً حين تقترن بالحشمة، ولكن ماذا عن الرداء الطويل، ومتى يكون دينياً، وفي أي لحظة يتحول إلى جزء من الموضة؟

دخلت فرنسا في نقاش صعب، وانقسمت الآراء، ولم يعد من مخرج سوى الزي الموحد الذي يجعل التلامذة متشابهين، لا يفرق بين أحد منهم، كما فعلت منذ البدء إنجلترا ملكة «اليونيفورم» المدرسي، وطالما سخر الفرنسيون من مظهر طلابها المحافظ.

في إيطاليا، يدخل رجال الدين المسيحيون إلى المدارس، ويباركون التلامذة في عيد الفصح، وفي ألمانيا سمح لمعلمات بأن يمارسن مهنتهن مرتديات الحجاب، وفي الدنمارك التعاليم المسيحية جزء من المنهاج، وفي بريطانيا يعنيهم مراقبة المسلمين أمنياً خوفاً من الإرهاب، ولا يعبأون بما يلبسون ويأكلون.

تربك العلمانية المتشددة فرنسا، في زمن مدّ المشاعر الدينية وفورانها. وتخضع البلاد لموجات الفعل ورد الفعل، ولا يتوانى وزير التربية عن التذكير بالأعمال الإرهابية التي طالت المدارس، فيما لا يجد المسلمون عدالة في قرار منع فتياتهم، من لبس ما يشأْنَ لتأويلات للأزياء غير موفقة، ويلجأون للطعن في شرعية القرار الذي يطال العباءة.

حقاً أخذت العباءة بعداً لم يكن يتصوره أحد، فيما هي في شوارع المغرب أو الجزائر، مجرد لباس توارثته البنات عن الجدات. وقد تجد سيدة بالقفطان تغطي رأسها، لكنها ترفع رداءها وتكشف بعفوية لتحرر مشيتها. وسيدات القرى اللبنانيات قد يضعن غطاء على الرأس، لا يغطي شيئا من الشعر. ثمة أردية لها صلة بالثقافة والتقاليد، وأخرى استجدت مع المدّ الديني، ومن الصعب على مديري المدارس الفرنسيين، أن يقفوا كل يوم على باب مؤسساتهم، يدققون في الأثواب وألوانها ويحللون مراميها، ويقيسون طولها، وعرضها.

في اليوم الدراسي الأول، أعادت المدارس 67 طالبة رفضن خلع عباءاتهن، من أصل 298 خالفن التعليمات. ورجعت الطالبات مع رسالة وجهت إلى الأهل تقول: «العلمانية ليست قيداً، إنها حرية».

وهي للأسف، لم تعد كذلك في الحالة الفرنسية. تبكي أم تضحك، حين تقرأ تعريفاً فرنسياً للعباءة: «هي رداء فضفاض كامل الطول ترتديه النساء المسلمات بوصفها مظهرا من مظاهر الاحتشام». لكن المجلس الفرنسي للشعائر الإسلامية يجيب بأن «العباءة لا يمكن عدّها ملابس دينية بل ملابس تقليدية». يرد غيوم أودينيت، مدير الشؤون القانونية بوزارة التعليم: «الموضوع ليس إذا كان الإسلام يأمر بارتداء هذا الثوب أم لا، إنما أن تعرف على الفور أن الشخص الذي يرتديها ينتمي إلى الدين الإسلامي». بالنتيجة أكثر من طالبة، منعن من دخول مدرستهن، لأنهن يرتدين «الكيمونو» فوق ملابسهن المعتادة.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العودة إلى «المريول» العودة إلى «المريول»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 عمان اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:47 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 عمان اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 عمان اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 00:00 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab