الجميع إلى جهنم

الجميع إلى جهنم

الجميع إلى جهنم

 عمان اليوم -

الجميع إلى جهنم

بقلم:سوسن الأبطح

إسرائيل وحلفاؤها، يصرّون على إدخال العالم في الجحيم. ثمة رغبة، في تحويل قضية فلسطين من مسألة تحرر وطني لشعب لا يطلب سوى الكرامة والاستقلال، إلى حرب دينية لا تبقي ولا تذر، طرفاها المسيحيون واليهود من جهة والمسلمون من جهة أخرى، وهذا طرح غاية في الخطورة.

ضع جانباً الرئيس الأميركي جو بايدن الذي لا يتوانى عن اعتبار إسرائيل أرضاً يهودية ويدافع عن ميوله الصهيونية، لكن وزير خارجيته أنتوني بلينكن حوّل زيارته التضامنية لإسرائيل مناسبة شخصية ووجدانية كونه ابناً لعائلة تعرضت للمحرقة اليهودية.

واتساقاً مع هدف إعادة الجميع إلى ما يشبه 11 سبتمبر (أيلول)، وإحياءً لـ«نظرية هنتنغتون» المشؤومة «صراع الحضارات» التي وجد فيها كثير من المتطرفين غاية لا تردّ، فإن خطاباً إعلامياً متسقاً يتبناه المروجون لهذا التوجه في الغرب، وينشطون على مختلف الوسائل الإعلامية للتبشير به.

في فرنسا، تستغرب كيف لأكاديمي متخصص في الشؤون الإسلامية مثل جيل كيبل، قضى ردحاً من حياته في صحبة العرب ومتنقلاً في منطقتنا، يجعل من نفسه رأس حربة للتحذير من تنامي الهجمات المعادية للسامية من قبل المسلمين، ومن تصاعد الأجواء الجهادية. أكثر من ذلك، أن كيبل يربط، عن غير وجه حق، بين ما يحدث في فلسطين اليوم، ومختلف الأعمال الإرهابية التي ارتكبها متطرفون إسلاميون ذات يوم، في فرنسا بحق مدنيين أبرياء، قائلاً إن الجو مؤآتٍ لتنامي الإرهاب على الطريقة «الحماسية». وفي رأيه أن الإسرائيليين ذبحوا كالأرانب على يد الفلسطينيين، فيما من الصعب (عليه) تأكيد عدد الضحايا من الجانب الفلسطيني. طبعاً كيبل، باحث له علاقاته في المنطقة، وفي غزة التي يعرفها جيداً، وباتصال صغير بمقدوره التأكد من المعلومة التي يريد. لكنه قرر أن يكون، وهذا ليس بجديد، في صفّ المحرضين على الفتنة.

يشترك في حملة تأجيج «صراع الحضارات» المرشح الرئاسي الفرنسي السابق إريك زيمور، الذي لا يتعب من ترديد لازمته المحببة «إنها حرب أديان». بالنسبة له؛ «المسألة سهلة، هذا صراع بين يهود من جهة ومسلمين من ناحية ثانية. منذ عشرين سنة وأنا أقول إنها حرب أديان ولم يصدقني أحد». يتباكى زيمور لأن ملياري مسلم و57 دولة مسلمة، يسنون سكاكينهم لذبح إسرائيل «الدولة الصغيرة التي لا ترى على الخريطة، كل هؤلاء ضدها».

لكنك بقليل من المتابعة تلحظ أن المجموعة التي أخذت على عاتقها إعادة الترويج لهذه الحرب ووضعها في الواجهة تتبنى الخطاب عينه، بما يشبه النسخ واللصق. يذكّر بعض من نُصبّوا فلاسفة في فرنسا بالمعلومات ذاتها التي يكررها زيمور. يردد (الفيلسوف) إيريك وانفري مثلاً، بلا كلل، حكاية الملياري مسلم و57 دولة مسلمة المتآمرين ضد اليهود، كأنما كل دول المسلمين تقف صفاً واحداً وتشهر سيوفها مطلقة صرخة: «حيّ على الجهاد». كل تلك المبالغات غاية في الاستفزاز. والمصيبة الكبرى أنه هراء يسوق له في مختلف البلدان الأوروبية ولا تجد من يتصدى أو يضع حدوداً لكذب أصحابه وافتراءاتهم. فلا يزال هؤلاء يتحدثون عن هجوم «حماس» الإرهابي حين قطعوا رؤوس الأطفال، وبقروا بطون النساء، وحرقوا الجثث واغتصبوا النساء، رغم أن كذب هذه الأخبار أصبح معروفاً للجميع. هذا ليس دفاعاً عن «حماس»، وإنما ذوداً عن الحقيقة التي حين تقتل، فإنما تكون الإنسانية قد اغتالت، آخر ما تبقى لها لتلجأ إليه.

الأمر لن يتوقف عند غزة ولا الضفة، بالنسبة لزيمور وأصحابه «فقد كتبت علينا حرب الأديان هذه وعلى أولادنا من بعدنا، لمائة سنة مقبلة»، وإسرائيل بحسب تلك الثلة، هي الواجهة التي ستخوض هذا الصراع نيابة عن «الحضارة المسيحية - اليهودية» التي تتقاسم القيم المتحضرة، مقابل البرابرة، علماً بأن هنتنغتون، لم يعدّ اليهود حضارة كبيرة وجزءاً من هذا الصراع الذي يخترعونه، ليبرروا عدوانيتهم على الأبرياء.

يريد المبشرون بحرب المائة عام، إقناع العالم بأن كل فلسطيني، هو مجرد عضو في «حماس»، و«حماس» بدورها ليست أكثر من «داعش»، وفي أحسن الأحوال فرع من «القاعدة». على هذا النهج يسير الخطاب الإعلامي الغربي السائد، بحيث تستخدم لفظة إرهاب، في كل مرة تذكر فيها غزة، ويتم التركيز على ما يسمى «هجوم حماس» يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) كأن لا شيء حصل قبله، ولا مجازر إسرائيلية ارتكبت بعده. فهو حدث استثنائي لم يحصل لليهود مثيل له منذ المحرقة، وبالتالي على الجميع أن يقدّر شعورهم، ويثأر لهم.

الجيل العربي الشاب عصري في تطلعاته، لا يبحث عن استعادة الخلافة، بقدر مما يريد حياة كريمة، ولا يحب تأجيج الحروب، وإنما يسعى للعدالة. أطفال فلسطين، يقولون كل يوم، إنهم يريدون أن يكونوا كأطفال العالم أجمعين، يعيشون في سلام، دون أن يسلبوا بيوتهم وأمهاتهم وآباءهم.

التبشير بالحروب الدينية، هو «الشر المطلق»، وأن يفتي عشرات الحاخامات لنتنياهو، بجواز قصف المدنيين في مستشفى الشفاء، في حالة اختباء عناصر من حركة «حماس» داخله، هو الإجرام بعينه، علماً بأن رئيس الوزراء هذا ليس بحاجة لفتوى حاخاماته ليجهز على الأبرياء، فهو لم يترك مستشفى في غزة إلا وقصف محيطه، أو جزءاً منه وأوقع ضحايا بالمئات.

صدام الثقافات، هو في رؤوس المتطرفين، يكذب نبوءاتهم الخبيثة، مئات آلاف المتظاهرين من مختلف الجنسيات والألوان والأديان، يخرجون كل يوم، نصرة لأطفال غزة وأبريائها الذين يبادون، فقط لأنهم بشر. وللبشري حق على أخيه بالرحمة، والمساندة والعدالة.

أما هذا السعي لتأجيج الحروب الدينية، فيجب أن يكافح، ويصدّ، لا أن يناقش ويهادن، ويعامل بخفة.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجميع إلى جهنم الجميع إلى جهنم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 22:03 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 04:59 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab