انتصار محمد يونس

انتصار محمد يونس

انتصار محمد يونس

 عمان اليوم -

انتصار محمد يونس

بقلم:سوسن الأبطح

وسط المشاهد القاتمة، يأتينا بصيصُ أملٍ من بنغلاديش، بلد الفيضانات والأعاصير التي ارتبطت أخبارها طويلاً بالفقر والمجاعات والانهيارات الأرضية، والانقلابات، لكن أيضاً بالقفزات الطموحة، من تعليم ونمو فاقا التوقعات، وقيل إنها ستلحق بالنمور الآسيوية.

سجلت رئيسة الوزراء المستقيلة قسراً، الشيخة حسينة، في سنوات حكمها، خطوات اقتصادية جبّارة، وشهد لها العالم بقدرتها على نقل بلادها صوب استقرار وأمن نادرين. لكنها في النهاية، افترت، وطغت، واتكأت على 15 عاماً في السلطة، وسطوة قوى الأمن ثم الجيش، كي تقمع، وتسكت، وتخفي من يعاندها.

تحرك طلاب الجامعات بعد أن بطشت الشيخة، وظنَّت أنها ورثت العباد عن والدها الزعيم مجيب عبد الرحمن، فسجنت المعارضين، وعاقبت الصحافيين، وكبحت الحريات، وكان ينتظر منها أن تعمل حكمتها وتظهر تسامحها.

الغضب اجتاح الشوارع، وحين خضعت لبعض المطالب بعد أن سالت دماء 300 ضحية، لا سيما إلغاء الحصص في التوظيفات المخصصة لعائلات المحاربين القدامى وذوي النفوذ، وسط بطالة متصاعدة، كان الوقت قد تأخر.

نجت بنفسها الشيخة حين هربت مع شقيقتها إلى الجارة الهند، قبل أن يكتسح المحتجون مقر إقامتها، وأعفت بلادها من أزمة دستورية، والهند من محنة دبلوماسية، حين استقالت.

لا بد أن تشعر بالفرح، لو كنت من دولة، قام جلّ شعبها ذات يوم، بكباره وصغاره، وتظاهر وهتف لشهور ضد استبداد السلطة، ولم يتغير شيء. أما طلَّاب بنغلاديش فكانت قوتهم، في وحدتهم، ورفضهم حكماً انتقالياً للجيش، مطالبين برجل واحد، قلة من اختلفوا على دوره النبيل في تقدم البلاد وتطورها، هو البروفسور محمد يونس، حامل جائزة نوبل للسلام.

الرجل الذي خشيته الشيخة حسينة يوم بدأت تنمو عضلاتها، ومع ذلك صارت تخشى ظلها، فاتهمته بالفساد، وهي ترى فوران شعبيته وتنامي مؤيديه، وخطيئته، أنه فكّر، ذات مرة، بتأسيس حزب سياسي. وجهت ليونس الذي ألهم العالم أجمع بإبداعه الاقتصادي، ما يزيد على مائة تهمة، أقلها «امتصاص دماء الفقراء»، وكلها تدور في فلك الفساد وانتهاك قانون العمل. أدين يونس بالسجن لستة أشهر مع وقف التنفيذ. عدّت المحاكمة «مهزلة قضائية» ورأى محامي يونس أن الشيخة «أرادت الانتقام منه سياسياً، وإذلاله أمام العالم أجمع».

هذا رجل تحركه إنسانيته. حين عاد بعد حصوله على الدكتوراه من أميركا أستاذاً جامعياً، شعر بعجز وعقم كل النظريات التي تعلمها في الكتب. مليون ونصف المليون جائع في مطلع السبعينات قضوا في بنغلاديش أمام أعين يونس، قرر أن يترك الصفوف والكتب، وينزل إلى الأرض، يسأل الناس عما بمقدوره أن يفعل لمساعدتهم. بدأ بقرية واحدة هي «غوبرا». تبين له أن الديون الصغيرة والمرابين، يخنقون السكان، وأن 43 شخصاً قد لا تزيد ديونهم على 27 دولاراً، فأقرضهم من جيبه، واسترد قروضه. أسس بنكه الشهير «غرامين» أو «بنك القرية» الذي تقاسم معه نوبل، وبقروض غاية في الصغر، طويلة الأمد، دون ضمانات تقليدية، انتشل ملايين من مواطنيه من غائلة العوز. لا تتوقف عبقرية يونس على فكرة الإقراض نفسها، بل على ابتكاره، ضوابط محلية نابعة من طبيعة مجتمعه، كي يلزم المستدينين إعادة ما اقترضوه، وتفضيله مساعدة النساء على الرجال، بعدّهن عماد البيت والقادرات على تنشئة الأطفال، والتضحية من أجلهن.

هذه الرؤية الفذّة، الطالعة من احتياجات المجتمع اللصيقة، استنسخت من مصارف في أكثر من أربعين دولة، وعُدّت إنجازاً عالمياً في الفكر الاقتصادي، من رجل أثبت أن عالماً خالياً من الفقر، هو أمر ممكن.

وسّع يونس، نشاطاته، وبلغت قروضه مليارات، شملت التعليم والصحة والسكن، والزراعة ووظفت بنوكه أكثر من مليوني شخص. إنما الشيخة حسينة، لم ترتح يوماً لهذا الرجل الطموح، فقررت أن تحيله إلى التقاعد.

رحلة محمد يونس لم تنته، واحترام مواطنيه له، أعاده إلى الواجهة. ها هو يتم اختياره لتشكيل حكومة انتقالية، تنقذ البلاد من مخلفات أحقاد الشيخة حسينة، وإخفاقاتها الثقيلة، دون أن يؤسس حزباً.

يونس الذي صنع معجزة اقتصادية في أكثر دول العالم فقراً، لعله ينجح في أن يزيح عن بنغلاديش وصمة البلاد «الأكثر فساداً». فتلك كارثة لم تتمكن من القضاء عليها عهود الحكم المتعاقبة. الرجل «مصرفي الفقراء» في الرابعة والثمانين من العمر، يقبل بحماسة الشباب على مهمة قاسية، لإنقاذ بنية إدارية متهالكة، وثلاثين مليون عاطل عن العمل، وإنصاف مساجين رأي بالمئات، والعثور على مفقودين لا يعرف إن كانوا أحياءً أو أمواتاً، ودولة عميقة، ليست بالضرورة مؤيدة له.

omantoday

GMT 10:48 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 10:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 10:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 10:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 10:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 10:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 10:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتصار محمد يونس انتصار محمد يونس



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 عمان اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:47 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 عمان اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 عمان اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 00:00 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab