إنهم يغتالون أنفسهم

إنهم يغتالون أنفسهم!

إنهم يغتالون أنفسهم!

 عمان اليوم -

إنهم يغتالون أنفسهم

بقلم:سوسن الأبطح

«أنا مع الترانسفير القسري، ولا أرى، في ذلك، ما هو غير أخلاقي». قالها بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني، للمدير التنفيذي للوكالة اليهودية عام 1938، أي عشر سنوات قبل النكبة. بعد مرور 85 عاماً لا شيء تغير، وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش يدعو دول العالم إلى استقبال «عرب غزة كحل إنساني ينهي معاناة اليهود والعرب معاً». قبله كتب نائبان إسرائيليان، عموداً في صفحة الرأي لـ«وول ستريت جورنال» الأميركية يطلبان من الدول الغربية توطين أعدادٍ من الأسر الغزية، «التي أعربت عن رغبتها في الانتقال إلى مكان آخر»، بحسب زعمهم.

أحلام إسرائيل لا تزال نفسها، مطامعها لا تخفيها. نقرأ عن وقاحتها في كتاب المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه «التطهير العرقي في فلسطين» الذي سحبته دار النشر الفرنسية «فايارد» من التداول، وقد ارتفعت مبيعاته بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بذريعة أن العقد مع الكاتب قد انتهى.

خلال نكبة 1948 أحرقت إسرائيل البيوت بسكانها الأحياء، كما يفعل المستوطنون في الضفة اليوم. جوّعت الأهالي منعت عنهم الماء، حرمتهم من بساتينهم وثمارهم وزيتهم، اصطادتهم في كل زاوية ومغارة.

بالمثل، يباهي وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي بأن جيشه يفرض حصاراً شاملاً على غزة، يقطع الماء والكهرباء، يمنع الوقود والطعام، معلناً العزم على إبادة سكان القطاع؛ لأنهم «حيوانات على شكل بشر». علماً بأنه حتى الهنود الحمر لم يخضعهم الأميركيون لهذا النوع من الذل.

في النكبة الأولى تقصّدت العصابات المسلحة إرعاب الفلسطينيين، ذبحت حتى الذين استسلموا ورفعوا الرايات البيضاء (ألا يذكرنا هذا بشيء)، أطلقت عصابات الهاغانا النار، على كل ما يتحرك، وأعدمت المدنيين بعشوائية؛ لإخافة من سوّلت له نفسه التفكير في البقاء. بعد «التطهير العرقي» كوفئت إسرائيل، وُضعت فوق كل القوانين، دُللت، أمدّها حلفاؤها بكل ما يضمن لها تفوقها، وتوّجت، باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.

لهذا؛ لا يرعوي النائب الإسرائيلي الحالي أرييل كالنر عن القول: إن مشروع الترانسفير متواصل: «لدينا هدف واحد فقط: النكبة. وهي نكبة ستغطي على نكبة 1948. نكبة في غزة، نكبة لكل من يتجرأ على طلب المزيد!».

في السابع من أكتوبر 2023، اليوم الذي لا تزال تشوب أحداثه الكثير من الغموض، حصدت إسرائيل تعاطفاً لا مثيل له، ودعماً لم تحلم به. وبدلاً من أن تستغلها فرصة لتستخلص العبر، أطلقت لوحشيتها العنان. بحجة إنهاء «حماس»؛ انتقمت من المدنيين، قتلت ما يزيد على عشرين ألفاً، عدا عشرات آلاف الجرحى. غير آبهة بمراكمة جرائم الحرب على أنواعها، طالما أنها لا تحاسب، كطفلة مدللة تنتابها نوبات غضب مجنون، وتكسر كل ما تجده أمامها.

تتصرف إسرائيل كأن الزمن توقف عام 1948 والغرب يعيش صدمة إحساس الذنب بالمحرقة، وكوارث الحرب العالمية الثانية. تسوّق لسرديتها، تتحدث عن انتصاراتها وبطولاتها، كأنها نسيت وجود وسائل التواصل التي تفضح الكذب. منعت الصحافيين الأجانب من دخول غزة؛ لإبقاء جرائمها في الظلام، فالغرب لا يصدق سوى مراسليه، على اعتبار أن العرب لا ثقة بروايتهم، ولا بأرقامهم.

الصدمة الأولى، حين دخلت مراسلة «سي إن إن»، لتعدّ أول تقرير لها من غزة، ويرى الجمهور المضلل، لا ما ينقله «تيك توك» و«إنستغرام»، وإنما ما ترويه محطة أميركية معروفة من أهوال.

سيجد الصحافيون طريقهم يوماً إلى أرض المحرقة، ويصورون جحيم غزة، وسيكون أمراً آخر. حلفاء إسرائيل لن ينفضّوا عنها بالطبع، إنما الرأي العام الذي أصبح يرى فيها كياناً استعمارياً مغتصباً، سيتأكد من صوابية أحكامه الأولى ويزداد عناداً.

الخسارة الفلسطينية رهيبة، حقاً، النزف في أرواح الأبرياء لا يمكن احتماله، هنا تحديداً تكمن الخسارة الفادحة لإسرائيل. بحسب جنرال فرنسي، التقديرات تشير إلى أن نسبة من قتلوا من «حماس»، إلى عدد الأبرياء يصل إلى واحد على عشرة، وهو رقم غير مسبوق، في حروب عصرنا. إذ تقتل إسرائيل يومياً، ما يقارب 450 فلسطينياً نصفهم من الأطفال، من دون أن يرفّ لها جفن.

الانتصارات لا تسجل بإعدام أكبر عدد من المدنيين؛ فهذا ما «يحوّل النصر التكتيكي هزيمةً استراتيجية»، حذّر منها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، بعد شهرين من التدمير والسفك. وكانت المرة الأولى التي يتلفّظ فيها حليف لإسرائيل بمفردة «هزيمة».

من يومها كثر الأصدقاء الذين يعبّرون عن خوفهم، من شر ما ترتكبه مدللتهم، بحق نفسها. يوافق الصحافي الأميركي توماس فريدمان، على رأي أوستن، و«أن نتنياهو، لا يمكنه أن يربح الحرب، طالما أنه لا يتحدث عن أي نوع من الحلول السياسية، ولا يريد أن يفتح أي أفق للفلسطينيين بعد الحرب».

مرّت مائة سنة ونيف على الخطط الأولى لقيام إسرائيل الكبرى، وثلاثة أرباع القرن على جرائم النكبة الأولى التي احتفى بها العالم الحرّ يومها. وأن تراهن إسرائيل على أن السلوك المشين نفسه، سيحصد ردود الفعل المرحبة ذاتها، في عالم يتغيّر بسرعة صاروخية، لهو أمر في غاية الغباء.

نتنياهو بجرائمه، يشرّع الأبواب لحروب لا نهاية لها؛ بسبب ذهنية انتهازية قديمة عاجزة عن قراءة التحولات. يريد أن يقضي على «حماس» ويتعثر، يرفض منظمة التحرير مع ومن دون محمود عباس. يباهي بأنه هو من عطّل حلّ الدولتين، وأن هذا خطأ لن يتكرر أبداً. يحاول أن يرحّل الفلسطينيين فلا يستطيع، وهم حين يبقون لا يعرف ما هو فاعل بهم؟

الرهان على سقوط حكومة متخبطة، ورحيل رجل فاسد، انفض كثيرون من حوله، هو انتظار عبثي. لأن ثلث الإسرائيليين اليهود فقط، يؤيدون قيام دولة فلسطينية، وغالبيتهم يريدون استمرار الحرب، ويمنّون النفس ببناء منتجعات لهم على شواطئ غزة.

نتنياهو مجرد نموذج فردي لحالة إسرائيلية جماعية طاغية، مع تصاعد التيارات الدينية، وتفشي الميل للحلول الدموية العنفية. وإسرائيل بتصريحاتها الفجّة وسلوكها الإجرامي الصادم، شوهت سمعتها. تصرفت كمن يطلق النار على قدميه، وحققت للقضية الفلسطينية من الترويج، ما عجز عنه العرب مجتمعين، منذ أربعينات القرن الماضي.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنهم يغتالون أنفسهم إنهم يغتالون أنفسهم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 عمان اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:47 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 عمان اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 عمان اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 00:00 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab